الكاميرا مقابل المهر
ياسمين الصلوي
مصادفات متتالية حفرت لشابة أنفاقًا تسلك من خلالها إلى الجانب المضيء من الحياة، بعد أن كانت الطرق المؤدية إلى أحلامها مسدودة بكومة من القيود والأعراف المجتمعية.
سامية أحمد، اسم مستعار، مصورة مناسبات نسائية في محافظة الحديدة، وهي أخت لأربعة أولاد وفتاة.
حادثة نجاة
تنتمي سامية إلى أسرة محافظة لا تشجع الفتاة على العلم والعمل؛ الأمر الذي جعل من طموحاتها لفترة من الزمن مجرد أحلام، لولا حادثة غيرت تفاصيل ذلك المشهد، بحسب قولها.
مع تخرجها من الثانوية التي تمثل آخر المطاف التعليمي بحسب تقاليد أسرتها، فقدت سامية صديقتها وابنة خالتها، وأدى وفاة الأخيرة إلى دخول سامية في نوبة اكتئاب طويلة تسببت في تدهور صحتها الجسمانية والنفسية، كما تقول.
تقول سامية: “خوف والدي من تدهور حالتي الصحية، جعله يتخلى عن تعصبه حول عدم خروجي للدراسة؛ لإخراجي من دائرة الحزن”.
بدأ الأمر بسماح الأب لابنته بالمشاركة في دورة تدريبية في علوم الحاسوب، لكنّ النتائج التي انعكست على صحتها، كما تقول سامية، دفعت الأب لتفضيل صحتها وسلامتها على تمسكه بالتقاليد والأعراف؛ فوافق على إكمالها لدراستها الجامعية.
فرصة أخرى للنجاة
توضح سامية: “تأثر أشقائي بحالة الحزن التي مررت بها؛ فشجعوني على الالتحاق بمعهد لتعليم الحاسوب، والذي كانوا يرفضون انضمامي إليه فيما سبق”.
وافق الأب على دخول ابنته الجامعة، لكنّ أشقاءها عارضوا الفكرة تمامًا، وبدؤوا الضغط على والدهم للتخلي عن الفكرة، لكنّ صدفة غير محسوبة غيرت اتجاه المسار، كما تقول.
تقول سامية: “وافق والدي على أن أدرس التصوير في كلية الفنون، وطلب مني الذهاب إلى الجامعة دون مناقشة إخوتي، ووعد بأن يجد حلًا لاعتراضهم، إلا أنّ الأمر لم يدم طويلًا؛ حيث تم نقل مقر عمل إخوتي إلى مدينة أخرى”.
وتفيد: “بعد عامين من دراستي الجامعية، تعرض والدي لجلطة دماغية نقل على إثرها إلى غرفة العناية المركزة، وبقى هناك لأيام. هذه الحادثة كشفت السر لإخوتي؛ فمنعوني من مواصلة الذهاب إلى الجامعة”.
تسبب الأمر بضغوط نفسية جديدة لسامية، كما تقول، وتضيف: “عانيت من القولون العصبي، وفقر الدم، والتهاب المعدة، إضافة للتعنّت الذي مارسه علي إخوتي”.
عاد الأب مشلولًا على كرسي متحرك، إلا أن إعاقته جعلته أكثر صرامة، “منع أبي بشكل حاسم أي تدخل لإخوتي بشأن استكمال دراستي الجامعية، ودفع بي للعودة للدراسة، واستمر في تشجيعي، وتوفير احتياجات الدراسة حتى تخرجت من الجامعة”.
الكاميرا والمهر
تغير حلم سامية، وصارت الكاميرا على رأس أولوياتها للمرحلة الجديدة، “بدأت التصوير باستعارة كاميرات بعض زملائي في الدراسة، وظل همي الشاغل كيفية شراء كاميرا؛ بحكم أن المبلغ المطلوب غير متوفر، وأشقائي الذين رفضوا المساهمة بمبلغ 500 ريال يمني كمصروف للجامعة لن يقدموا المساعدة بالطبع”.
وتضيف: “تقدم شاب لخطبة شقيقتي، وحسب الأعراف، قدم مبلغًا من المهر؛ فاقترحت على شقيقتي أن تقرضني المبلغ لشراء كاميرا، وسأعمل على إعادته قبل موعد الزفاف الذي يأخذ، كما هو متعارف عليه، مدة عام”.
تكمل سامية: “كنت لا أستطيع النوم بمجرد تذكري أن عليّ إرجاع مهر أختي قبل أن يحين موعد الزفاف؛ فركزت طاقتي كلها في العمل، وتمكنت من سداد المبلغ خلال سبعة أشهر”.
“استمرت سامية في تصوير المناسبات المتواضعة، ثم الأكبر قليلًا، وعمل التزامها بالعمل، وتطور مهاراتها في كل مرة، على تسويق اسمها بشكل أفضل”، يقول عبدالباقي، أحد المنسقين لحفلات الزفاف المتعاملين مع خدمات سامية منذ وقت مبكر.
كثُرت طلبات التصوير أمام سامية، ومعها ارتفع العائد المادي؛ فأصبحت تمتلك كاميرتين بدلاً من واحدة، ثم تمكنت من إضافة طابعة ملونة، وجهاز كمبيوتر محمول، “صار العمل أكثر سهولة وسرعة واتساعًا مع توفر الأدوات اللازمة لتشغيل استوديو؛ ما ساعدني على شراء سيارة لتسهيل الحركة والتنقل”.
نقطة تحول
“ذهب عني السند الذي كنت أتكئ عليه في حياتي؛ فاختل توازني حين تنمر عليّ إخوتي، وحاولوا تقييد حركتي لمنعي عن العمل، لكني كنت قد قطعت شوطًا كافيًا في اعتمادي على نفسي، فواجهتهم بكل ما لدي من قوة، ورفضت قيودهم، وواصلت عملي، فما كان منهم إلا أن تقبلوا الأمر تدريجيًا”، تقول سامية.
تنمر
“تُروّح آخر الليل.. الله يعلم أين تِروح.. أيش من شغل يخلّي البنت ترجع للبيت هذا الوقت؟”، عبارات تطارد سامية من قبل الجيران والأقارب، كما تقول.
خرجت سامية من دائرة تنمر الإخوة إلى الدائرة الأوسع تنمرًا (المجتمع المحيط)، تقول: “كان إخوتي قد تقبلوا فكرة استمراري في العمل؛ فذهبت لاستعطافهم والإجابة عن أسئلتهم، وتوضيح آلية عملي لهم بكل شفافية، في حين واجهت تنمر المحيطين بي بعدم الاهتمام، وتركهم حتى يملَون من ذوات أنفسهم، ويملَ أخوتي من تدخلاتهم فيزجرونهم، وهذا ما حدث”.
* تنشر هذه المادة بالتزامن مع منصة هودج