ابتزاز المتسولين ومقاسمتهم رزقهم الشحيح.. آخر أساليب النهب الحوثية
اتهمت مصادر محلية الميليشيات الحوثية في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة بتوجيه بوصلة القمع والابتزاز باتجاه فئة المتسولين لمحاصصتهم فيما يجنونه من أموال يجود بها عليهم فاعلو الخير، وذلك بعد أن استنفدت الجماعة حملات القمع تجاه فئات التجار وأرباب الأعمال والجمعيات الخيرية والمستثمرين.
ومع ازدياد أعداد المتسولين في شوارع صنعاء وغيرها من المدن الخاضعة للميليشيات الحوثية بسبب شدة الفقر وشحة الأعمال وفقدان الوظائف الحكومية والخاصة، وجدت الجماعة في هذه الفئة مدخلا للحصول على مزيد من الأموال التي توظفها لمصلحة مشرفيها ومجهودها الحربي وأتباعها الطائفيين.
وفي هذا السياق أفادت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» بأن الميليشيات أجبرت جموع المتسولين على دفع حصص مما يحصلون عليه من المال مقابل السماح لهم بالبقاء في الشوارع وتقاطعات الطرق لكسب عيشهم من المارة.
ووصفت المصادر ما قامت به الجماعة الحوثية بأنه سابقة لم تحدث في تاريخ اليمن من قبل أي سلطة باستثناء سلطة الميليشيات الانقلابية التي «أتت على الأخضر واليابس» وفق ما تقوله مصادر حقوقية في العاصمة المختطفة صنعاء.
وأفاد عدد من المتسولين في شوارع حدة والزبيري والتحرير لـ«الشرق الأوسط» بأن مسلحي الجماعة يقومون بالمرور عليهم يوميا في أوقات محددة قرب انتهاء وجودهم في أماكن التسول للحصول على نسبة 20 في المائة ما يجمعونه طيلة اليوم من أموال.
وذكر أحد المتسولين ويدعى «سالم» أنه يحصل على مبالغ يومية تتراوح ما بين خمسة آلاف وعشرة آلاف ريال (من 10 إلى 20 دولارا) طيلة 18 ساعة من مد يده للمارة وسائقي السيارات، وهو مبلغ ينفقه كما يقول على حاجيات أسرته، غير أن مسلحي الجماعة الحوثية فرضوا أخيرا عليه دفع إتاوة من المبلغ بنسبة 20 في المائة. في السياق نفسه حمل مسؤول محلي في وزارة الشؤون الاجتماعية الخاضعة للانقلابيين في صنعاء الجماعة الحوثية المسؤولية عن تفشي ظاهرة التسول بأعداد غير مسبوقة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وقال المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب تتعلق بضمان سلامته من بطش الميليشيات الحوثية إن «السبب الرئيسي لتفشي الظاهرة واتساع رقعتها هو سياسات الجماعة التي قادت إلى نهب أموال السكان وتوقيف رواتبهم وحرمانهم من المساعدات الأممية والدولية».
وأكد المسؤول أن عناصر الجماعة ومشرفيها تفتق ذهنهم أخيرا عن استثمار هؤلاء المتسولين للحصول على الأموال من خلال فرضهم نسبة 20 في المائة من إجمالي ما يجمعه كل متسول، مقابل السكوت عليهم وعدم تهديدهم بالحبس أو الاعتقال.
وكشف عن قيام موظفي الجماعة الحوثية في «الشؤون الاجتماعية» في صنعاء منذ حوالي شهر بتنفيذ حملات ميدانية بناء على توجيهات من قادتهم تستهدف الطرقات والشوارع والأحياء التي يتجمع فيها المتسولون لتسجيل بياناتهم وأسمائهم وكل معلوماتهم التفصيلية.
وخير مسلحو الجماعة- بحسب المصدر- المتسولين من الرجال والنساء بين دفع الإتاوة المقررة من عائدات تسولهم أو الاعتقال والسجن، في حين أوهموا الناس بأنهم من خلال عمليات الحصر لأسماء المتسولين يهدفون إلى تقديم المساعدة والعون لهم.
ولفت المصدر إلى أن خطوة الجماعة في جمع ضرائب وإتاوات مالية من المتسولين، الذين أجبرهم الجوع والفقر والمرض والإعاقة على مد أيديهم للناس، لم تكن في الحسبان وغير متوقعة، كما لم يخطر على بال أحد أن يصل إجرام الحوثيين وظلمهم إلى هذا الحد والمستوى.
ويؤكد اختصاصيون اجتماعيون في صنعاء أن ظاهرة التسول في العاصمة وغيرها من المناطق الخاضعة للجماعة أصبحت في ظل الميليشيات الحوثية من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشارا نتيجة الجوع والفقر الذي أنتجه حكم الجماعة، وغياب فرص العمل، وانقطاع سبل العيش وعدم القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية. وكانت مصادر عاملة في القطاع الإنساني والخيري أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة قامت بإغلاق أكثر من 60 مؤسسة خيرية كانت تقدم يد العون والمساعدة للفقراء، ليصل إجمالي عدد المؤسسات التي طالها استهداف الميليشيات طيلة فترة الانقلاب إلى أزيد من 130 مؤسسة وجمعية خيرية وإنسانية.
وأشارت المصادر إلى أن الجماعة وضعت رقابة مشددة على ما تبقى من المؤسسات الخيرية ومنعتها من توزيع أي إغاثات أو مساعدات ما لم تمر عبرها وتحديدا عبر ما سمته «المجلس الأعلى لتنسيق وإدارة الشؤون الإنسانية».
وكانت الميليشيات حذرت قبل أيام رجال الأعمال والبنوك والشركات التجارية الكبرى وفاعلي الخير من خطورة دعم أي مشاريع خيرية وتنموية وفقراء ومحتاجين ما لم يكن عن طريق المؤسسات الحوثية المستحدثة مما أدى إلى تفاقم كبير في انتشار الفقر والمعاناة الإنسانية وأعداد المتسولين في مناطق حكم الجماعة.
ومع استمرار مضايقة الجماعة لشريحة الفقراء وحرمانهم من أبسط حقوقهم، يجزم سكان في صنعاء بأن ظاهرة التسول تفاقمت بشكل مخيف في العاصمة خصوصا عندما أصبح الكثير من المواطنين بمن فيهم النازحون لا يجدون حتى أدنى مقومات العيش، الأمر الذي دفع أغلبهم للخروج والتسول ومد أيديهم للناس.
وطيلة سنوات الانقلاب عملت الجماعة المسنودة من إيران على إفقار اليمنيين بشكل متعمد بإيقافها للرواتب، ونهبها موارد البلاد، وتوجيه الأموال لإثراء أفرادها ، وتمويل موازنتها العسكرية لقتل اليمنيين، ما تسبب بتوسع دائرة الفقر إلى أكثر من 80 في المائة من السكان، مقارنة بنسب ما قبل الانقلاب.
وكانت دراسة أجريت في 2013، شملت ثماني محافظات يمنية، كشفت عن العدد الكلي للمتسولين في صنعاء بنحو 30 ألف طفل وطفلة جميعهم دون سن الـ18، إلا أنّ دراسات أخرى صدرت في 2017 بيّنت أنَّ عدد المتسولين ارتفع بشكل مخيف ليصل إلى أكثر من 1.5 مليون متسول ومتسولة خصوصا في العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وفي منتصف فبراير (شباط) الماضي، قدر أكاديميون مختصون بقضايا السكان في تصريحات سابقة لهم مع «الشرق الأوسط»، أن أعداد المتسولين في صنعاء فقط، يقدرون حتى مايو (أيار) من العام الماضي 2019، بأكثر من 200 ألف متسول سواء أكانوا ذكوراً أو إناثاً من مختلف الأعمار. مقارنة بنحو 30 ألف متسول قبل الانقلاب الحوثي في 2014.