الفقر في اليمن يتجاوز الخطوط الحمر مع تمدد الوباء
أعطت أحدث المؤشرات حول الأزمة الاقتصادية لليمن لمحة عن الحالة الكارثية للسكان بعد تجاوز الفقر مستوى الخطوط الحمر في ظل انتشار فايروس كورونا بالبلاد في صمت، في الوقت الذي أكد فيه خبراء ومسؤولون أن تحذيرات منظمة الأغذية والزراعة (فاو) من تفاقم المشكلة لا تكفي دون تدخل دولي عاجل.
وحملت التحذيرات الدولية من اتساع رقعة الفقر في اليمن صورة أكثر قتامة عن معيشة السكان بعد أن ألقت الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تعيشها البلاد جراء الحرب، بانعكاساتها السلبية على مختلف المحافظات.
واعتبرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن اليمن، الذي دفعته حرب مستمرة منذ أكثر من خمس سنوات بالفعل إلى شفا المجاعة، قد يواجه وضعا “كارثيا” في ما يتعلق بالأمن الغذائي بسبب تفشي فايروس كورونا وتراجع تحويلات العاملين بالخليج.
وتسبب الصراع الدائر بين التحالف العربي تقوده السعودية لمساندة الحكومة الشرعية، التي تتخذ من عدن عاصمة لإدارة شؤونها، وجماعة الحوثي المتحالفة مع إيران فيما وصفته الأمم المتحدة بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم.
وتؤكد المؤشرات والبيانات الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية أن نحو 80 في المئة من سكان اليمن على المساعدات ويواجه ملايين الجوع.
ونسبت وكالة رويترز للممثل الإقليمي للفاو في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا عبدالسلام ولد أحمد قوله إن “النظام الصحي كان يتعرض بالفعل لضغوط كبيرة وستتراجع قدراته الآن إذا استمر مرض كوفيد – 19 في الانتشار وسيؤثر، بالإضافة إلى ذلك، على حركة الناس والبضائع”.
“شلل القطاعات الإنتاجية وانحسار تحويلات المغتربين وانعدام الخدمات وغليان الأسعار فاقمت متاعب اليمنيين”
وأوضح أن الوضع قد يكون كارثيا فعلا إذا تحققت كل عناصر أسوأ سيناريو، لكن استطرد قائلا “لنأمل ألا يحدث ذلك والأمم المتحدة تعمل على تجنب ذلك”.
وتعتبر اليمن إلى جانب كل من سوريا والسودان، من بين الدول الأكثر عرضة للخطر في الشرق الأوسط في ما يتعلق بالأمن الغذائي.
وقالت الفاو في تقرير حديث نشرته على موقعها الإلكتروني إن “إجراءات العزل العام لمنع تفشي الفايروس من المرجح أن تؤثر على سلاسل الإمدادات الإنسانية التي توفر الغذاء لجزء كبير من السكان”.
ويشهد اليمن أعمال عنف منذ تدخل التحالف العربي في العام 2015 ضد جماعة الحوثي التي أخرجت الحكومة المدعومة من السعودية من العاصمة صنعاء وأجبرتها على التمركز في الجنوب.
وحتى الآن سجلت الحكومة المعترف بها دوليا 128 حالة إصابة مؤكدة بالوباء، و20 حالة وفاة في المناطق التي تسيطر عليها.
“15.9 مليون يمني مصنفون ضمن من يعانون انعدام الأمن الغذائي من بين 28 مليون نسمة”
في المقابل، أعلن الحوثيون، الذين يسيطرون على صنعاء وأغلب المراكز السكانية في الحضر أربع حالات إصابة وحالة وفاة واحدة جميعها في العاصمة.
وأكدت منظمة الصحة العالمية الاثنين الماضي أن الفايروس ينتشر دون رصد مما يزيد من احتمالات تفشيه بين السكان، الذين يعانون من سوء التغذية، بصورة تفوق طاقة النظام الصحي بقدراته المحدودة على الفحص.
ووفق بيانات الحكومة الشرعية تم تدمير نحو 45 في المئة من المنشآت الصحية بسبب الحرب، كما توقفت نصف المنشآت الأخرى عن العمل بسبب تعرضها لنهب معداتها.
وهناك حاليا نحو 15.9 مليون يمني يندرجون تحت تصنيف من يعانون انعدام الأمن الغذائي بين السكان البالغ عددهم 28 مليون نسمة.
وليس لدى الفاو تقديرات دقيقة لما قد يصل إليه هذا العدد إذا استمر المرض في التفشي لكنها تواصل مراقبة الوضع.
وأعلنت الولايات المتحدة في السادس من مايو الجاري أنها ستقدم 225 مليون دولار لبرنامج الأغذية العالمي من أجل اليمن بما يشمل العمليات التي تقلصت في الشمال.
وقال البرنامج إنه سيخفض المساعدات إلى النصف في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون منذ منتصف أبريل الماضي، بسبب مخاوف الجهات المانحة من أن تكون الجماعة تعطل توزيع المساعدات، وهو ما ينفيه الحوثيون.
وتؤكد الفاو أن اليمن، وهو أفقر دول شبه الجزيرة العربية، سيتضرر كذلك من انخفاض متوقع في تحويلات العاملين بدول الخليج والتي بلغت نحو 3.8 مليار دولار في 2019. وقال ولد أحمد “هذا مصدر كبير للدخل للبلاد وقد ينخفض بدرجة كبيرة”.
وفقد العديد من العاملين في منطقة الخليج الغنية بالنفط وظائفهم أو أجبروا على عطلات غير مدفوعة الأجر أو خُفّضت رواتبهم بسبب تفشي فايروس كورونا وانخفاض أسعار النفط.
وترى منظمة الفاو أنه دون سلام فإنه ستواصل مواجهة صعوبات نقص الأمن الغذائي ولن يكون هناك انتعاش على المدى البعيد.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن الخميس الماضي، إنه تم إحراز “تقدم كبير” نحو تعزيز الهدنة المؤقتة التي أُعلنت لمواجهة فايروس كورونا ولتمهيد الطريق لاستئناف محادثات السلام المتعثرة.
وتسعى الحكومة الشرعية إلى جانب معركتها في استعادة أجهزة الدولة من الحوثيين للحفاظ على اقتصاد البلاد من خطر الانهيار الشامل، الذي ينذر بتداعيات كارثية أكبر على حياة المواطنين.
ولكن الحكومة تواجه مشكلة معقدة بعد أن أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي نهاية الشهر الماضي، الإدارة الذاتية لمحافظات الجنوب ومدنه في ضوء فشل حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي في الوفاء بالتزاماتها ضمن اتفاق الرياض وإصرارها على “تأزيم” عودتها إلى عدن لمباشرة مهامها.
ونسبت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية لرئيس الحكومة معين عبدالملك قوله في وقت سابق إن “معدلات الفقر قفزت إلى 80 في المئة من إجمالي سكان البلاد”.
وأرجع ذلك إلى تدهور النشاط الاقتصادي وتوقف الرواتب وانعدام فرص العمل والنزوح الإجباري للمواطنين “بفعل الانقلاب والحرب والإجراءات التعسفية للميليشيات الحوثية”.
واستولي الحوثيون على 85 في المئة تقريبا من الإيرادات العامة للدولة من ضرائب وجمارك وحصص الدولة في المؤسسات والشركات العامة، إضافة إلى الجبايات غير القانونية تحت مسميات مختلفة مما فاقم العجز في مالية الدولة.
وأفضى ذلك الوضع إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 48 في المئة منذ بداية الحرب، كما تم استنزاف احتياطيات البلد الخارجية البالغة 5 مليارات دولار خلال عام واحد.
وتسببت التوترات الأمنية في اضطراب أسواق المحافظات وسحب العملة الصعبة منها، وبالتالي ارتفاع قيمة الدولار مقابل الريال، مما انعكس بشكل مباشر على أسعار السلع المختلفة.
ويقول مواطنون إن الوضع بات سيئا للغاية وكل الوسائل المعيشية أصبحت صعبة، حيث لا حكومة تكترث بما يحدث، ولا أي أحد لديه سلطة يعلم كيف هي معاناة الشعب.
وشكا هؤلاء في تصريحات متفرقة لوكالة الأنباء الألمانية من أن غليان الأسعار في تزايد مستمر مع انقطاع الكهرباء والماء، إضافة إلى وجود فقر وجوع وبطاله مستمرة.
عن: العرب