استهداف القطاع الخاص: من الجبايات الى الاستحواذ والإحلال
وفيق صالح/باحث متخصص في الشأن الإقتصادي
ضاعفت جماعة الحوثي من آلة البطش التي تستهدف القطاع الخاص اليمني، خلال الفترة الماضية، مستخدمة أساليب وأدوات مختلفة، مما يثير المخاوف من استمرار هذه الحملات الممنهجة ضد هذا القطاع، والتي سيكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني.
وقد زادت وتيرة الاستهداف الحوثي للقطاع الخاص عقب فتح ميناء الحديدة أمام سفن الحاويات، لدخول كافة البضائع والسلع، حيث رفعت الجماعة الرسوم والضريبية والجمركية بنسبة تجاوزت 140%، على الرغم من تعهداتها خلال وقت سابق للتجار بتقديم تسهيلات للاستيراد عبر الحديدة.
ومن دون شك، فإن نكوص جماعة الحوثي عن وعودها السابقة للقطاع الخاص لا يٌشكل حدثاً مفاجئاً، فخلال السنوات الماضية تعرَّض النشاط التجاري في مناطق سيطرة الجماعة لعملية تجريف واسعة عبر سلسلة من الممارسات والانتهاكات التي لا تنتهي والتي تؤدي إجمالاً إلى إحلال طبقة طفيلية جديدة من التُجار محل الطبقة القائمة.
خطوات عديدة:
تفتقر جماعة الحوثي إلى بنية تنظيمية تربط عناصرها في بوتقة واحدة، لذلك تستخدم أدوات مختلفة لتقوية هذه البنية، من بينها الاستهداف الممنهج لرأس المال الوطني، الذي يتعرض لعملية ابتزاز وفرض إتاوات، ومحاولة فرض شراكات معه قسرياً، كما يتعرض، بنسب متفاوتة، لإحلال قوى جديدة بديلة عنه، في مستويات مختلفة من السوق.
ومن منطلق تكوين الجماعة اقتصادها الخاص، فقد ضاعفت من استهدافها المستمر لأسس ومقومات الاقتصاد الوطني، حيث تسعى لتفكيك الاقتصاد السياسي لمؤسسات الدولة السابقة، والتي تعرف كملامح للنظام الجمهوري، إمعاناً منها في استهداف مؤسسات الدولة برمتها، التي تشكلت إبان قيام النظام الجمهوري، حيث تسابق الجماعة الزمن لتأسيس اقتصاد سياسي خاص بها يساعدها في فرض نفوذها على الحياة العامة.
ومن أجل ذلك، تبنت الجماعة ما يسمى باقتصاديات السمسرة والارتزاق والتربح، والتي تتعدد آلياتها من منح التراخيص إلى المساهمة في إبرام الصفقات وعقد المناقصات في مناطق سيطرتها. كما ساهمت في تحجيم الأرباح عن طريق إرهاب رأس المال، وسعت، بالتوازي مع الهيمنة على سوق العقار، إلى فرض أنماط محددة من الملكية لأراضي المدن والضواحي المتاخمة عبر آلية منظمة لإعادة هيكلة الملكيات.
استهداف مبكر:
بدأت مرحلة الاستهداف مبكراً عقب سيطرة الجماعة على العاصمة صنعاء، عبر تفعيل شرائح ضريبية مختلفة، وإجبار مئات المؤسسات على دفع ضرائب بأثر رجعي في دفعات متتالية، امتدت حتى إلى المناطق الريفية في ظل دورة مالية من اتجاه واحد، أو هي بالأصح نصف دورة، حيث تأخذ اتجاهاً إجبارياً من المواطنين إلى المؤسسات المالية التابعة للجماعة.
وقد أدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف السلع المنتجة محلياً عن طريق تراكم الشرائح الضريبية وزيادة أسعار الوقود وخروج سوق الطاقة عن سيطرة الحكومة، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل، وتصاعد أزمة نقص معروض العملة الوطنية المتداولة نتيجة عدم القدرة على تعويض الفاقد منها لتحل عملات غير وطنية في التعاملات التي تجري داخل الأسواق.
كما فرضت الجماعة إتاوات وجبايات مالية على القطاع التجاري، لتحقيق مكاسب مالية، على حساب استقرار رأس المال الوطني، وغالباً ما يكون المبرر هنا هو التشكيك بولاء التجار للجماعة، واتهامهم بالخيانة والتبعية للخارج، وهو أسلوب منظم تمارسه الجماعة مع قادة الجحافل المقاتلة والزعامات القبلية الاجتماعية، بهدف تعزيز مكانتها ونفوذها.
وانتقلت الجماعة عبر خطوات منظمة للسيطرة على القطاع الخاص، بدأتها بمحاولة تطويع هذا القطاع من خلال فرض الجبايات والإتاوات المالية، إلى أن وصلت إلى مرحلة الاستحواذ والإحلال، ضمن مساعيها لإعادة تشكيل الاقتصاد الوطني عبر احتكار كافة القطاعات الإنتاجية والتشغيلية في القطاع الخاص.
ومن أبرز الأساليب التي انتهجتها جماعة الحوثي في التضييق على الأنشطة الاقتصادية، وتطويع القطاع الخاص، ما يلي:
- فرض كافة الشرائح الضريبية السابقة التي تتجاوز ٢٠ شريحة تبدو متضاربة ومتكررة في بعض الأحيان، وفقاً لبعض المتخصصين.
- استحداث شرائح ضريبية وإتاوات مناسباتية لتوفير مزيد من الموارد للجماعة.
- استغلال قضايا الخلافات التجارية والعقارية المنظورة أمام القضاء أو غير المنظورة، كأدوات للابتزاز والتطويع وفرض الهيمنة.
- استخدام القضاء كأداة للسيطرة على بعض الشركات التجارية والممتلكات الخاصة، وشرعنة النهب ومصادرة حقوق الآخرين.
- السيطرة على الأنشطة الإنسانية للمنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة، من خلال استحداث جهاز خاص لمتابعة هذه الأنشطة وفرض قيود كثيرة على وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها في مناطق سيطرتها وإلزامها للجهات الداعمة بنسبة معينة من تلك المساعدات.
- تدمير الاقتصاد الرسمي، عبر الدفع بشبكات مصالح جديدة وقوى نافذة للسيطرة على المجال العام للنشاط الاقتصادي، وقد بدأت جماعة الحوثي هذا المسار عبر استيراد الوقود، حيث احتكرت تجارة الوقود في مناطق سيطرتها، الأمر الذي فتح الطريق أمام تكون اقتصاد غير رسمي عمل على تأسيس كيانات اقتصادية موازية لتمويل الحرب.
- تكريس الانقسام النقدي، عبر السماح بتداول العملة الوطنية بقيمتين مختلفتين، وتدمير المنظومة المصرفية التي تعد الشريان الأساسي للاقتصاد الوطني والقطاع الخاص.
- شرعنة قانون منع الفائدة في كافة التعاملات المالية بالبنوك والمصارف، تحت مبرر محاربة المعاملات الربوية، الذي يؤثر بشكل بالغ على نشاط القطاع الخاص، ويمنح جماعة الحوثي حق مصادرة كافة الودائع المالية للتجار ورجال الأعمال لدى البنوك.
- استحداث ما يُسمى بنظام الحارس القضائي في التلاعب بحقوق الملكية للممتلكات والشركات التجارية، وإضفاء الشرعية على عمليات غسيل أموال منظمة ونهب ممنهج وواسع لثروات وممتلكات اليمنيين.
- اقتحام الغرفة التجارية والصناعية في أمانة العاصمة، وتعيين قيادة بديلة للقيادة السابقة، في مخالفة للقانون واللوائح المنظمة.
أدوات مختلفة:
تتعدد الأدوات التي تلجأ إليها جماعة الحوثي من أجل استهداف القطاع الخاص، والتي يتمثل أبرزها في:
- شرعنة الجبايات: وفرت أجواء الحرب غطاءً عُرفياً لجماعة الحوثي، لتبرير كل جرائمها الاقتصادية، حيث لم تتوقف عن استحداث مزيد من الإجراءات والقيود التي من شأنها تحجيم نشاط القطاع الخاص ورأس المال الوطني، تارة بحجة دفع الجمارك والضرائب، وتارة أخرى بحجة الحفاظ على الاستقرار التمويني في الأسواق.
وخلال شهر مايو 2023، أقرت جماعة الحوثي إجراءات اقتصادية، شملت فرض قوائم سعرية لأصناف مختلفة من السلع، وإغلاق عدد من الشركات التجارية، بالإضافة إلى إقرار تعديلات في قوانين ضرائب الدخل وضريبة المبيعات والجمارك، ومنع عدة شاحنات تجارية من دخول مناطق سيطرتها. وتوازى ذلك مع السعى لإحلال تجار القطاع الخاص بتجار جدد، وهو ما يبدو أنه محاولة لبناء اقتصاد خاص بالجماعة، بالإضافة لتقييد أنشطة منافسيهم في السوق والاستحواذ على عمليات البيع والشراء.
كما أجرت الجماعة تعديلات على القانون رقم (19) لسنة 2001م بشأن الضريبة العامة على المبيعات وتعديلاته، والقانون رقم (17) لسنة 2010م بشأن ضرائب الدخل وتعديلاته، وقانون الجمارك رقم (14) لسنة 1990م وتعديلاته. ويبدو الهدف من هذه التعديلات واضحاً ويتعلق بإزاحة العديد من الشركات التجارية والبيوت التجارية الكبيرة، واستبدالها بنافذين موالين للجماعة نفسها، بما يعزز من قدرتها على إعادة هيكلة البيئة الاقتصادية على نحو يتناسب مع توجهاتها.
- استحداث منافذ غير قانونية: قامت الجماعة بتأسيس مراكز جمركية مستحدثة بين مداخل المحافظات اليمنية، للحصول على مزيد من الموارد الجمركية والضريبية التي ارتفعت وتيرتها مؤخراً عقب رفع القيود على ميناء الحديدة، والسماح لسفن الحاويات بالوصول إلى الميناء الذي تسيطر عليه جماعة الحوثي.
ومن أبرز المراكز الجمركية التي استحدثتها الجماعة: عفار وذي ناعم في البيضاء، وميتم في إب، والحزم في محافظة الجوف، وحرف سفيان في عمران، وسقم والراهدة في تعز، وجبل رأس في الحديدة، وشوابة في أرحب، ومنفذ نهم شرقي صنعاء.
وتؤكد شهادات العديد من التُجار والمستوردين أن مراكز الجمارك المستحدثة في أوساط البلاد، بعيداً عن الحدود البحرية والبرية، والتي تعمل على فرض رسوم جمركية إضافية، رغم استيفاء كافة الشروط والإجراءات الجمركية أثناء دخول تلك الشحنات التجارية إلى البلاد، تؤدي إلى تكبد القطاع التجاري خسائر إضافية باهظة، الأمر الذي يعمل على ارتفاع تكلفة السلع، بشكل مضاعف، يفوق سعر السلعة الحقيقي، القادم من بلد الاستيراد.
ومن دون شك، فإن هذه الجبايات والرسوم غير القانونية أثقلت كاهل القطاع الخاص، ناهيك عما تتعرض له بعض الشحنات التجارية، في الجمارك المستحدثة، وسط البلاد، من الاحتجاز لعدة أشهر، الأمر الذي يفرض مزيداً من الخسائر على هؤلاء التُجار، ويُعرِّض السلع للتلف نتيجة الانتظار، تحت حرارة الشمس، وفق إفادات العديد من المستوردين.
- تكريس الانقسام الاقتصادي: تُلزم جماعة الحوثي التُجار والمستوردين بالتسديد النقدي، وبنسبة 100% من الضرائب والرسوم الجمركية المفروضة، وهو ما يزيد من الضغوط التي تمارسها عليهم، لا سيما في ظل وجود أزمة نقدية ومصرفية، تتمثل في شح السيولة النقدية، وزيادة الأعباء على القطاع الخاص المنظم، في ظل انتشار ظاهرة التهريب، وهو ما يعد إخلالاً بمبدأ المنافسة.
وقد تسبب ذلك في ارتفاع تكلفة الإنتاج وتضخم الأسعار وزيادة معدلات التضخم داخل الاقتصاد، مما أجبر القطاع الخاص على الانكماش والتراجع، وأدى إلى تقليل ساعات العمل والإنتاج وتسريح العمالة، على نحو كان له دور في انخفاض الناتج الإجمالي للقطاع الخاص، وتراجع دوره إلى ما دون المستوى الذي كان يحققه قبل عام 2014.
- احتكار مفاصل القوة والمال: تأتي هذه الخطوات في سياق خطط منظمة، تهدف من خلالها جماعة الحوثي إلى بناء مراكز جديدة للمال والنفوذ واحتكار مفاصل القوة، فهي تدرك أن مراكز المال لن تأتي إلا عبر السيطرة على القطاع الخاص والنشاط التجاري والصناعي في البلاد، رغم أنها منذ بدء الحرب تمادت في فرض الجبايات بشكل واسع على القطاع التجاري، وأمعنت في الاستنزاف، على نحو أدى إلى حدوث تراجع بدا واضحاً في رأس مال المؤسسات، عند احتسابه بالأسعار القياسية للعملات الأخرى.
فضلاً عن ذلك، فإن هذه الخطوات تؤسس نصف دورة مالية تعمل لصالح الجماعة سواء بشكل منظم عن طريق مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها، أو من خلال أعضائها وحلفائهم، بشكل يساهم في امتصاص الطاقات الاقتصادية للبلاد، واستهلاك كل الربح والنمو داخل هذا القطاع الاقتصادي.
ولا تعدم الجماعة المبررات التي تستند إليها في ممارسة عمليات السطو على الأموال والحقوق المالية للمواطنين، خصوصاً في أجواء الحرب المشحونة، حيث منحت نفسها الحق في مصادرة رواتب الموظفين وتعطيل الباب الأول من موازنة أي سلطة أو حكومة في العالم، والذي يشمل دفع الرواتب والإنفاق على الخدمات العامة والأساسية، وهو ما نتج عنه تعاظم مصالح أعضائها، وتصاعد خسائر رأس المال الوطني، وتدني المستوى المعيشي للسكان، بسبب ارتفاع مستوى التضخم وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
خسائر فادحة:
بالتوازي مع ذلك، أدت سلسلة الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي ضد النشاط التجاري الحر في مناطق سيطرتها منذ 21 سبتمبر 2014، إلى تراجع الناتج الإجمالي للقطاع الخاص، فضلاً عن إفلاس العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتسريح مئات الآلاف من العاملين في القطاع الخاص.
وكان لتوقف عملية الإنتاج، والخلافات التي أشعلت فتيلها جماعة الحوثي في بعض الشركات والمجموعات التجارية الكبيرة، دور رئيسي في تراجع الأداء وتقليص حجم الإنتاج، وهو ما ساهم في تراجع إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد الوطني بشكل عام.
وتكشف إحصائيات رسمية صادرة عن الاتحاد العام للغرف التجارية في اليمن عن تراجع المستوى التراكمي في قيمة الناتج المحلي الإجمالي الجاري لقطاع الصناعة عام 2020 يقدر بنسبة 52% عـن حجمه في عـام 2012.
ووفقاً لذلك، فقد القطاع الصناعي في اليمن 73% من ناتجه في المتوسط خلال الفترة من 2015 وحتى 2020 جـراء الحـرب ومــا نتـج عنها مــن تحديات، مـع العلـم بأن معـدل التشـغيل في جانـب القطـاع العـام الصناعـي قـــد بلـغ في المتوسط حوالي 12% فقـــط مـن قـــدرته الإنتاجية، فيمـــا بلـغ معـدل التشـغيل في القطاع الخاص حوالي 64% مـــن قدرتـه الإنتاجية.
وتدفع هذه الإجراءات المستمرة في التضييق على نشاط القطاع الخاص بمزيد من المخاوف في الوسط التجاري، إزاء إغراق الاقتصاد اليمني بمزيد من الأزمات، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على الأجواء العامة للبيئة الاستثمارية والتجارية، ويدفع رأس المال الوطني للهجرة والنزوح للبحث عن ملاذات آمنة، إضافة إلى تراجع دور القطاع الخاص في حركة الاستيراد، وانخفاض نشاطه التجاري، على نحو سيؤدي إلى حدوث أزمات واختناقات تموينية في الأسواق، حيث يأتي اليمن في طليعة الدول التي ستنخفض فيها واردات الغذاء، في ظل توقعات بأن تسجل الفاتورة العالمية للواردات رقماً قياسياً مع ارتفاع الأسعار عالمياً وزيادة التأمين على الشحن البحري للحاويات.
أجندة خفية:
تكشف هذه الممارسات الحوثية والمُقوِّضة لنشاط القطاع الخاص عن مساعٍ حثيثة من قبل الجماعة لتأسيس واقع اقتصادي في مناطق سيطرتها بمعزل عن المحافظات المحررة، إضافة إلى تكريس الانفصال الاقتصادي والمالي، حيث تبدو الجماعة وكأنها ماضية في حربها الاقتصادية ضد الحكومة الشرعية ومحاصرتها في مواردها وإيراداتها، إضافة إلى استهداف النشاط التجاري والاقتصادي في المحافظات المحررة.
وتبرز أهداف وأجندات خفية من كافة الممارسات التي تقوم بها الجماعة تجاه القطاع الخاص، من أهمها السيطرة على سوق الواردات في المناطق التي تهيمن عليها، ومحاولة زيادة الأوعية الإيرادية لها من خلال تعزيز النشاط الملاحي في ميناء الحديدة، وتكوين طبقة جديدة من التجار ورجال الأعمال الذين ينتمون للجماعة، من أجل السيطرة على النشاط التجاري بالمجمل، على حساب إقصاء وإزاحة القطاع الخاص القديم والبيوت التجارية العريقة.
كما تساهم ممارسات الجماعة بتجريف رأس المال الوطني، عبر رفع سعر ضريبة المبيعات وضرائب الدخل والجمارك، في إضافة أعباء جديدة على التجار والاستيراد ومفاقمة الوضع الإنساني للمواطنين، مما يُسهل على الجماعة تنفيذ أجندتها، من خلال إعادة هندسة الخارطة التجارية في البلاد، حيث بدت ملامح ذلك بوضوح من خلال ظهور طبقة طفيلية جديدة من النافذين ورجال الأعمال الذين استفادوا خلال السنوات الأخيرة من تجارة الحرب، وراكموا ثروات طائلة من الأموال العامة والخاصة المنهوبة.
هذا التجريف لأكثر من ثماني سنوات في تدمير مؤسسات الدولة الاقتصادية، بشقيها العام والمختلط، وفرض قيود على القطاع الخاص، ونهب ومصادرة رواتب ما يقارب من مليون موظف في السلكين المدني والعسكري والقطاع العام، أعطى الجماعة الثقة بالسيطرة على كل شيء، وشجعها على تجريف مؤسسة التضامن والتنسيق والدفاع التي تعد نقابة لرأس المال الوطني، واتحاد الغرف التجارية باحتلالها وتغيير قياداتها بخطوة استباقية لإمكانية اندلاع أنماط مختلفة من الاحتجاجات على غرار الإضرابات والعصيان المدني، في هذه المؤسسات التابعة لرأس المال الوطني.
ختاماً، تدرك جماعة الحوثي جيداً هشاشة الهياكل النقابية الأخرى، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، وهو ما يبدو جلياً في قطاع التربية، حيث أسست كياناً بديلاً لنقابته السابقة التي كانت قائمة إلى ما بعد احتلال الحوثي للعاصمة بعام، فأصبح نادي المعلمين بديلاً لنقابة المعلمين والمهن التعليمية والتربوية ونقابة المهن التعليمية، فضلاً عن تلاشي نقابتي النخبة الفكرية، أي نقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء، واتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ويستثنى من ذلك كله نقابة الصحفيين التي غادرت قياداتها العاصمة صنعاء، وظلت هي الصوت الوحيد المسموع في العمل النقابي على الساحة اليمينة عموماً.
ومن دون شك، فإن استبداد وهيمنة أي جماعة أو سلطة أمر واقع يتعاظم حين يفقد أي من المقاومات السياسية المنظمة روابط التضامن الجمعي، والتي تستطيع تحجيم الاستبداد ومقاومته. ومن هنا، فإنه ليس أمام القطاع الخاص سوى تفعيل وسائل التضامن الجمعي حيال ما يتعرض له من إجراءات ممنهجة للاستحواذ عليه من قبل جماعة الحوثي، وإزاحته من خارطة الاقتصاد الوطني، لصالح طبقات طفيلية جديدة، تسعى للسيطرة على الحصة السوقية للقطاع الخاص القديم وتُقدم نفسها كوريث شرعي، حيث تعمل جاهدة وبكل سُبل الترهيب للإحلال والسيطرة على الخارطة التجارية والصناعية، من أجل بناء مفاصل القوة والنفوذ ومن أهمها المال الذي تعتقد الجماعة أنه يمكنها من الديمومة والسيطرة على الفضاء العام في البلاد.
نقلا عن مركز اليمن والخليج للدراسات