الولادة.. معاناة تضاعفها الحرب في اليمن
محمد علي محروس
“لا أسوأ من أن يتربّص بك الموت وأنت على بعد ساعاتٍ من إتاحة الفرصة لأحدهم من أجل الوصول إلى الحياة”، انتزعت “فوزة مقبل” هذه المقولة من معايشتها لاشتباكاتٍ مسلّحة دارت، على مقربة من مقر عملها، بين فصائل مسلّحة وقوات حكومية خلال عامي 2018 و2019م، حينها، كانت تعمل أخصائية نساء وولادة في المستشفى الجمهوري بمدينة تعز، جنوبي اليمن.
تصادفت أيام دوامها مع هذه الحالة التي تصفها بالمريعة، وتضيف: “كنتُ مُلزمةً بواجبي الإنساني تجاه عشرات النساء اللواتي لذنّ بنا للولادة الطبيعية، أو عبر التدخل الجِراحي، شاهدتُ بأم عيني إحداهن وهي تُسقط جنينها؛ نتيجة الهلع الذي حل بمحيطنا؛ عندما حاول مسلّحون اقتحام المستشفى، ولم نتمكن من إنقاذ الجنين، كنّا نحاول أن نفعل ما بوسعنا لتهدئة من هن على وشك الولادة، وتلك اللواتي ينتظرنّ دورهنّ في العمليات، ونواصل عملنا كأنّ الوضع على طبيعته”.
اعتادت فوزة معايشة ليالي وأيام المواجهات العسكرية، في تعز، بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًا، وقوات جماعة أنصار الله الحوثيين، حتى أن المستشفى الجمهوري طالته قذائف مدفعية، لكن ذلك لم يمنعها من الاستمرار في عملها؛ لأنّها تؤمن بحق الآخرين في الحياة، مهما كانت الظروف، وليست أفضل حالًا ممن يتجشمنّ عناء السفر تحت وابل الرصاص وأصوات القذائف؛ للولادة رغم أنف الحرب، كما تقول.
على وشك الانهيار
الأزمة اليمنية العالِقة منذ سبع سنوات خلّفت وضعًا كارثيًا هو الأسوأ في العالم، بحسب الأمم المتحدة، ولم يُستثنّ القطاع الصحي في اليمن من ذلك؛ إذ يقترب من الانهيار، بالنظر إلى تداعيات الحرب، وآثار جائحة كوفيد19-، ولذلك انعكاسٌ مباشر على الرعاية الصحية إجمالًا، والصحة الإنجابية على وجه التحديد.
يُجمل صندوق الأمم المتحدة للسكان هذه المعاناة وفق تقديرات تُشير إلى أن نحو ستة ملايين من النساء والفتيات في سن الحمل والإنجاب (من 15 إلى 49 سنة) يحتجنّ إلى الدعم.
كما أن هناك 114 ألف امرأة في اليمن معرضة لخطر أن يُصبن بمضاعفات أثناء الولادة؛ في ظل التردي الحاصل لخدمات الصحة الإنجابية؛ فنحو نصف المنشآت الصحية لا تعمل، أو تعمل بشكل جزئي، وثلثا المنشآت الصحية العاملة، فقط، تُقدّم خدمات الصحة الإنجابية؛ ويعود ذلك إلى نقص العاملين، وقلّة الإمدادات والمستلزمات الطبية، والعجز عن تغطية تكاليف الحد الأدنى للتشغيل، وبعضها تعرّضت للضرر جراء الصراع، بالإضافة الى أن المعدات والأجهزة الطبية غير كافية، أو لم يتم تحديثها وفق الاحتياجات الراهنة.
ويشهد اليمن أحد أعلى معدلات الوفيات بين الأمهات في المنطقة العربية؛ حيث تموت امرأة واحدة كل ساعتين أثناء الولادة لأسباب يمكن الوقاية منها بشكل كامل، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان.
وتعتبر النساء والفتيات في اليمن الأكثر عرضة للخطر؛ حيث تشير التقديرات إلى أن 73% من بين حوالي 4 ملايين نازح في اليمن نساء وأطفال، في حين أن حوالي30 % من الأسر النازحة تعولها، حاليًا، نساء مقارنة بـ %9 قبل تصاعد حالة الصراع في عام 2015م.
مراحل معقّدة
النساء الحوامل في اليمن يعشنّ مراحل معقّدة خلال فترات حملهنّ، على وجه التحديد المصابات بسوء التغذية، ويعشنّ أوضاعًا نفسية ومعيشية متقلّبة؛ فبالإضافة إلى المعاناة المترتبة على ذلك، هنّ أكثر عرضةً للإجهاض الإجباري، إلى جانب فقر الدم، وحتى الموت أثناء الولادة.
هدى، 23 عامًا، من محافظة المحويت، بين اللواتي عشنّ تجربةً مريرة، فبعد انتظار للحمل دام ثلاث سنوات، لم تكمل السبعة الأشهر؛ إذ أسقطت جنينها دون مقدّمات، على الرغم من حرصها على التردد الشهري على أقرب مركز صحي لها، قالت: “أخبروني بأنّي لا أقوى على الحمل؛ بسبب هزالة جسمي، وحالتي النفسية السيئة”، لاحقًا، أدركت أن فقد زوجها لوظيفته نتيجة الحرب، وعدم انتظام الدخل الشهري كانا من بين الأسباب التي دفعت حالتها إلى التدهور، وخسّرتها جنينها المنتظر.
تابعت الدكتورة “نفيسة علي” حالة هدى وغيرها من النساء الحوامل اللواتي يعانينّ من سوء التغذية، ولم تجد تفسيرًا لما جرى سوى أن “فترة الحمل كانت تمضي بشكل طبيعي، ولكنّ سوء التغذية، والمضاعفات النفسية؛ نتيجة الظروف المعيشية، وراء هكذا حالات”.
تأثيرات مباشرة للحرب استخلصتها فتحية أحمد، تعمل قابلة منذ 20 عامًا، منها عدم متابعة الحمل؛ مما سبب المضاعفات التي أدت إلى موت الكثير من الأمهات والأطفال، كما أن الوقع النفسي، والتعرّض لأصوات المدافع والانفجارات يؤديان إلى ارتجاج الرحم، وحدوث الإجهاض، إضافة إلى تناول الأدوية العشوائية دون استشارة الطبيب المختص، وبحسب دراسة للمركز الوطني الأمريكي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، فإن “فقدان الحمل المبكر يعتبر حدثًا مروعًا وصادمًا للنساء وعائلاتهن، وعادة ما يؤدي الإجهاض إلى فترة شديدة من الضيق العاطفي”.
وانعكست الحالة الاقتصادية، التي تسببت بنقص متزايد في المواد الغذائية، على صحة النساء؛ إذ تعاني أكثر من مليون امرأة حامل من سوء التغذية، وهنّ معرضات لإنجاب أطفال يعانون من مضاعفاتٍ بدنية وصحية مُزمنة، وأن قرابة مليوني امرأة حامل ومرضع لديهنّ فرصًا محدودة، أو قد تكون معدومة، للحصول على خدمات الصحة الإنجابية، بما في ذلك رعاية ما قبل الولادة، وما بعدها، بحسب أحدث تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن.