آثار نفسية تلحق بعاملات صاحبة الجلالة في اليمن
عدن – فاطمة رشاد
في ذلك الجانب الآخر، يعلو صوت الرصاص الكثيف الذي لا يزال صداه في آذان الزميلة الصحفية أمل حزام، تتذكره كلما حاولت نسيان تلك الليلة التي لم تستطع نسيانها عندما كانت تؤدي مهامها في مؤسستها الإعلامية (مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والنشر) فطبيعة منصبها كسكرتير تحرير يجعلها تتواجد في فترة الصباح والظهيرة والمساء، وتقول: “مهامي تجعلني اتأخر إلى ساعات الليل، والعودة بسيارة المؤسسة المناوبة معنا إلى منازلنا بعد انتهائنا من العمل”.
وبذهول واضح، تتابع أمل: “أتذكر إحدى الليالي ونحن عائدون إلى منازلنا، تم إطلاق الرصاص علينا من قبل مسلحين ملثمين، وطلبوا منا تسليم السيارة لهم، ثم عدنا إلى منازلنا مشيًا على الأقدام. هذه الحادثة تركت فيّ أثرًا نفسيًا؛ كوني امرأة، وهناك من يرعبنا أثناء عودتنا من تأدية مهامنا الإعلامية، وهذه طبيعة العمل الصحفي التي لا أنكرها؛ فكما يقولون هي مهنة المتاعب”.
ليست هذه الحادثة فقط ما أثرت على أمل أثناء تأدية مهامها في ظل الصراعات التي حدثت في الآونة الأخيرة من الانشقاقات السياسية التي حصلت في محافظة عدن، وتم السيطرة عليها بقوة السلاح؛ فهي تتذكر دخول قوات عسكرية إلى مبنى المؤسسة، ونشر الرعب بين الزملاء والزميلات. كانت لحظات مرعبة تتحاشى أمل تذكرها.
تقول أمل بلهجتها العدنية: “الله لا جاب تلك اللحظات التي عشنا فيها الرعب، والخوف الذي رأيته بعيون زملائي، فأنك ترين أطقم وبنادق تصوب نحوك ليس بالأمر الهين”.
ستة أعوام وحرب تعيشها اليمن، وخلفت الكثير من الآثار والتبعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لكن كان الأثر النفسي قويًا على بعض الصحفيات اللاتي يعملن تحت ضغوطات كثيرة وتحت النيران التي ما إن تقف حتى تعود مرة أخرى، وتتعدد طرق الانتهاكات التي تتعرض لها الإعلاميات أثناء عملهن في الميدان أو في مؤسساتهن.
فهذه الحرب التي تركت أثرها النفسي على إعلاميات اليمن التي أصبحن يفتقدن للأمن والسلامة النفسية جراء ما يتعرضن له وهناك من تلقت تهديد بالتصفية وهناك من فقدت وظيفتها بسبب سيطرة أطراف الصراع على مؤسستها وتسريحها.
وفي إحصائية للمرصد اليمني للحريات الإعلامية أصدرها مطلع عام 2021م أن 46صحفي وصحفية قتلوا منذ اندلاع الحرب، كما بلغ إجمالي الانتهاكات ضد الحريات الإعلامية في السنوات الست من الحرب 2200حالة انتهاك توزعت بين قتل واعتقال واختطاف وسجن وتقيد حريات وتسريح صحفيين من أعمالهم وإغلاق مؤسسات إعلامية.
هذه الإحصائية جعلت كثير من إعلاميات اليمن حقيقة يتجنبن الحديث عن ما يتعرضن له من تهديد وتحريض ضدهن لا يريدن أن يفصحن عن تلك الجهات أو الأفراد وهذا ترك في داخلهن أثرا نفسيا..
احدى الزميلات التي رفضت الحديث لأنها تخشى ان تفتح دفاتر قد أغلقت وعادت تمارس عملها وهي تخشى الاقتراب من فتيل خبر لربما يزج بها إلى متاهة او تشن عليها حربًا تشهيرية أو تحريضًا أو تتلقى تهديدًا كما تلقته أول مرة.
وقال مسؤول الحقوق والحريات بنقابة الصحفيين اليمنيين نبيل الأسيدي بأن هناك بعض الإعلاميات يتعرضن إلى مختلف الانتهاكات ولعل أبرزها محاولة لاغتيال الزميلة بشرى الناشري التي تعرضت لرصاصة أسفل الظهر أو كما قيل ربما في العمود الفقري، حد قوله.
وأضاف: من أكثر الانتهاكات التي تعرضن لها الصحفيات، هي عمليات التحريض والتشهير والتهديد، مما ترك ذلك آثارًا نفسية لديهن، والأسوأ إيقاف رواتب بعضهن وخاصة اللاتي هن في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، جعلهن يغادرن إلى خارج اليمن أو ينزحن إلى محافظات سيطرة الشرعية للحصول على رواتبهن.
وأستنكر الأسيدي ما تتعرض لهن الصحفيات مضايقات وممارسات تضيق من حرية الرأي والتعبير، وأضاف: نجد أن هناك عداء ضد مليشيات الحوثي فاغلب الإعلاميات فقدن وظائفهن بسبب سيطرتهم على مؤسساتهن، مما جعلهن تحت الإقامة الجبرية في منازلهن وعدم استطاعتهن العمل، وهناك صحفيات تم احالتهن إلى النيابة العامة وإطلاق التهم لهن خلف أثرًا نفسيًا.
وأكد الأسيدي وقوف نقابة الصحفيين مع الإعلاميين والإعلاميات، خاصة أن المرأة الإعلامية تشكل رقمًا مهما في النقابة والعمل الإعلامي، حد قوله.
أمل سافرت خارج اليمن بهدف تغيير من الحالة النفسية التي رافقتها، قضت فترة قصيرة ثم عادت، وتستطرد بالقول: حالتي النفسية كانت في النازل ولكن خروجي لبعض الوقت إلى خارج اليمن أعاد إليّ قليل من الراحة النفسية لأعود إلى قلمي وأمارس مهامي في الصحيفة فالحرب النفسية مازلنا نعيشها إلى اليوم، الآثار النفسية كذلك لا يمكن أن تمحى بسهولة.
وهذا ما تؤكده الأخصائية النفسية الدكتورة نور محمد بأن الآثار النفسية التي تسببها الحروب وما يترتب بعدها قد تستمر معاناتها لسنوات، موضحة أهمية تلقي الشخص الدعم النفسي لوقت طويل.
وقالت نور: للحروب تأثيرها المدمر على الحالة النفسية، وعندما تعيش الإعلامية أحداث عنيفة عند تأدية عملها أو تتعرض لتهديد، أو لمحاولة اغتيال، فهذا يؤثر عليها تأثيرًا نفسيًا قويًا.
ونصحت الدكتورة نور الاعلاميات وخاصة المراسلات الميدانيات بأن يدركن أهمية سلامة صحتها النفسية وأن طبيعة عملهن قد يعرضهن لمواقف عنف، وأن يقمن باتباع إجراءات وإرشادات السلامة والوقاية.
وتعتبر الدكتورة نور بأن الانتهاكات التي تطال الصحفيين يجعل المرأة الإعلامية تخشى على نفسها مما تراه لزملائها الذكور، الذين بطبيعتهم يستطيعون التحمل، أما المرأة ضعيفة أمام مشاهد التعذيب والقمع والإقصاء، حد تعبيرها.
مؤكدة على أن تعرض المرأة الصحفية لحملات تشهير، فإن المجتمع لا يرحم، وأن كثيرا من الإعلاميات اللاتي وقعن ضحية تشهير مررن بتجربة الخوف من المجتمع.
أمل حزام ليس الاسم الوحيد في الوسط الصحفي والإعلامي ممن تركت الحرب فيهم اثرا نفسيا، فهناك الكثيرات انزوين خلف أبوابهن المغلقة.
تختم أمل حديثها بالقول: الصدمات النفسية التي تلقيتها كثيرة، وأسواها رؤيتي لاغتيال زميل لي، تصمت لبرهة، ثم تواصل: لكن هناك بصيص أمل في داخلنا لمواصلة عملنا وواجبنا في إظهار الحقيقة.