ملامح السوداوية والرعب في مجموعة شرائط الساتان للقاصة غدير الرعيني
مها صلاح
يأخذنا عنوان المجموعة الرقيق “شرائط الساتان” للوهلة الأولى إلى تصور حالم ورمانسي عن ماهية قصص المجموعة وعوالمها الناعمة كشرائط الساتان، ولكن النقيض تماما يتجلى منذ العتبة الأولى للوحة الغلاف الأمامية التي تظهر طفلة شرائط الساتان بيضاء اللون في مواجهة اشخاص وعوالم يكللها السواد، ثمة ثقوب سوداء تخترق جسد الطفلة، ويتصدر المشهد صورة لشاشة سلاح معد للقنص
فيما يعزز المشهد القصصي المختار في الغلاف الخلفي هذه الصورة حيث ترد في النص القصير عبارات مثل: زهرة طفلة كقطعة من الثلج، تخشى صقيع المدينة، شيء بداخلها يرتجف بشدة، هاهو الظلام أكمل آخر سطر في كابوسها، يطبق على جفنيها ظلام أشد.
ويكمل الدار هذه العتبة بأن يسند تصميم الغلاف “لفرانكشتاين” وهو ما يظهر في اسم مصمم الغلاف ولا أعرف هذه مصادفة أم حيلة مقصودة لإدخال القارئ في جو الرعب الذي يتجلى في أغلب قصص المجموعة.
ويقودني هذا إلى سؤال هل تعمدت الكاتبة ذلك واجترحته عن قصدية وكتبته بوعي، أم أن جو السوداوية والرعب تجلى دون وعي منها؟
سأبني فرضيتي بأن القاصة تعمدت أن تخلق فضاء من الرعب والسوداوية في المجموعة عبر تقديمها لمشاهد مخيفة وحشدها للعبارات والجمل التي تدخل القارئ إلى عوالمها الكابوسية بشكل قصدي، وسأفترض أن الغرض من تلك القصدية هو الحصول على مساحة إضافية لتناول المسكوت عنه ومحاولة كسر الحجب بتقنية مختلفة وجديدة يمكنها أن تعلو بشعور القارئ ليتماهى مع ألم وخوف ورعب البطل/ة ويتخلى للحظة عن التمترس خلف وعيه المرتبط بالعيب والعادات والتقاليد والأحكام المسبقة، وهي حيلة ذكية للغاية عززتها القاصة بالمشهدية العالية في المجموعة.
تخيب القاصة توقعات القارئ في قصصها فهي تعكس الأدوار تماماً فتسيطر العوالم السودواية ومشاهد الرعب أغلب قصص المجموعة، ولو تمعنا قليلاً سنجد القاصة تحاول أن تصرخ وتصرح بكل ما يحتشد بداخلها من الغضب والألم والخوف من الواقع الذي يحيط بها من خلال كل النهايات السوداوية ومشاهد الرعب العالية، ففي قصة بلور على سبيل المثال تطرق القاصة موضوعاً شائكاً هو رؤية المجتمع للحب كعيب فتجعل الرجل شيطان مغوي والحب هاوية والأنثى كائن يمشي على حد السكاكين، تنسج المشهد المرعب ببراعة وتلقي باللوم على المجتمع ككل وعلى النساء الملتبسات بالوعي الذكوري على وجه الخصوص
“تمشي على خيط رفيع، خطواتها واثقة ومتوازنة فقد اعتادت المشي على هذا النحو منذ كانت صغيرة…بالأسفل الهاوية عميقة جداً ومخيفة جداً
ثم تمضي بنا في المشهد:
تفقد تركيزها وهي تتأرجح على الخيط الرفيع تحاول التشبث دون فائدة..وقعت تمزقت إلى أشلاء
ثم تختم هكذا: أصبحت المدينة خاوية وكأنها مدينة للأشباح لا يسمع فيها سوى همس تلك النسوة يباركن موت الفتيات، ويلعن الشياطين البشرية”
تعمدت القاصة أن تجعل أغلب نهايات قصصها بلا أمل، وفي سياق القص تقدم تبريرها الخاص لإنهاء قصصها بنهايات سوداوية ففي قصة اللوحة الناقصة تجلب النهاية السوداوية المرعبة على حد تعبير القاصة :أجمل ابتسامة رضا لإكمال اللوحة الناقصة، وفي قصة شرائط الساتان يصبح موت الطفلة المأساوي موعداً مرتقباً مع السلام وفي قصة صرخة الريف يصبح الضياع والظلام راحة وأمان مفتقد، وفي قصة الظلال تجعل القاصة شروق الشمس خيبة أمل لأنها تبدد الظلال التي تعشقها البطلة، وفي قصة معراج يصبح الموت خلاص.
تطرقت القاصة إلى موضوع زنا المحارم المسكوت عنه في قصتي (إمرأة مثقوبة، قديس) وهي شجاعة تحسب لها ولعلها قد انطلقت من تفسير علم النفس لنفسية الطرف المنتهك(المغتصب) حيث يقدم علم النفس ثلاث نظريات تفسر أن الطرف الذي تعرض للإنتهاك قد يشعر بالغضب أو بالذنب أو بالغضب والذنب معاً، ونلاحظ في قصة قديس كم الغضب الذي تشعر به الفتاة تجاه أخيها وازدرائها له، في حين تظهر الطفلة شعورها بالذنب في قصة امرأة مثقوبة، وقد لا أتفق مع القاصة في قصة امرأة مثقوبة حين ربطت الشعور بالذنب مع الحنين للمنتهك(الأب) كان بإمكانها أن تدين فعل الاغتصاب في داخل الطفلة المنتهكة وتجعلها تغضب، وعادة ما يكون شعور الذنب نتيجة الخوف وعدم الأمان الذي يولده فعل الانتهاك المجرم، لكن أن تشعر الطفلة بالحنين لحنان الأب الذي اغتصبها، ذلك الذي لم تكن القاصة موفقة فيه، كما أن الطفلة ظهرت بوعي لا يتناسب مع سنها وتفكير الطفلة بداخلها.
تكررت الكلمات والجمل الدالة على الملامح السوداوية المرعبة في المجموعة حيث تكررت كلمات وجمل مثل (الخوف، الصقيع، الثلج، الهاوية، الرعب، الفقد، الظلام، كابوس، وحشية، دماء، شفرة سكين، تمزقت اشلاء، موت، مميت، دفنت، الحياة الأخرى، ملك الموت، سحر أسود، سوداوية النوايا، مخالب، هلع، البؤس، الألم، بائس، قبر، شتاء، ظلال، فجعت، الدمع، الملح، الجفاف، صفعة، عاصفة، ذنب، آهات، فخ، عنوة، قسوة، داست، جبروت، لهيب، خواء، وجوم، مر، تجاعيد، أنانية، عذاب، متجهمة، مصائب، كذب، اختنقت، جهنمي، غروب، المقبرة، شيطان، تمزقت، اشلاء، العار، اشباح، صمت، منحدر، عجز، غربة، وحدة، عتمة، صراخ..)
وتبقى من وجهة نظري الشخصية قصة (التنهيدة امرأة) هي أذكى وأقوى قصص المجموعة التي استخدمت القاصة فيها تقنية الإرعاب بقصد المزيد من البوح، واستطاعت أيضاً من خلال المشهدية الرمزية العالية من تكثيف المعاني وفتحت مجال للقارئ أن يستنطقها ويحاولها أكثر من مرة، كما سمحت للقاصة أن تعلو بلغة النص فتوقع جملاً شاعرية غاية في العذوبة
“ياللعجب! تنهيدة وامرأة تجلسان على ذات الكرسي”
“أمسكتُ التنهيدة من شعرها السافر، ثم جرجرتُ المرأة من عنقها، وبكل وحشية قد آراها في حياتي جعلت كل منهما ترتطم بالآخرى”