دراسة| «سقطرى» .. بين مدّ وجزر النفوذ القديم الجديد (أزمة الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي)
مركز سوث24 للأخبار والدراسات | فريدة أحمد
مقدمة
على جزيرة سقطرى تبدو الأمور غير مستقرة وقابلة للتصعيد بعد أحداث مطلع إبريل الماضي بين قوات الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وذلك بعد أن هدأت نسبياً وأزاح السياسيون والعسكريون والإعلاميون أنظارهم عنها إبان موجة الأحداث المتعلقة بالأزمة السياسية والعسكرية التي حصلت بين الحكومة اليمنية وأبوظبي في مايو 2018. والتي وإن كانت تهدأ لبعض الوقت سرعان ما تعود في موجة أحداث جديدة ومتسارعة، لا تقل في قوتها عن الأعاصير التي تضرب الجزيرة من وقت لآخر.
فأرخبيل سقطرى عانى من درجة الإهمال غير المقصود لعقود من الزمن، فبالإضافة لعوامل الطبيعة ذات التأثير المدمّر أحياناً، بدت مشاكل سقطرى متواضعة وضئيلة بالنسبة للحكومات اليمنية المتعاقبة، أمام سلسلة الأزمات والحروب التي كانت تحدث في اليمن. فلم تكن ذات أولوية قصوى لتُمنح من ذات الاهتمام الذي كان يمنح لبقية المحافظات اليمنية. بحكم عزلتها الجغرافية وبعد موقعها عن اليابسة اليمنية، رغم أهميتها الجيو استراتيجية الكبيرة وما تملكه من ثروات طبيعية نادرة. مع ذلك أدركت الحكومة اليمنية في خضم الأحداث السياسية والعسكرية المتصاعدة، أن إدارة ظهرها لسقطرى منذ البداية كان خطئاً كبيراً عليها أن تتلافاه، خاصة في محيط يموج بالصراعات والتنافس الجيوسياسي من أجل فرض النفوذ على البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب الذي يشكل فيه الأرخبيل بموقعه الاستراتيجي المهم ممراً دولياً يربطه بالمحيط الهندي. وعلى الرغم من ذلك فإدراك تأخير هذا التلافي لم يأتِ منها هذه المرة, جاء من “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي يرى هو الآخر بأن سيطرته على الجزيرة لكونها جزء من جنوب اليمن حماية لها ولمصالح الجنوب الذي أعلن أواخر إبريل عن إداراته الذاتية له، من أي محاولات للنفوذ الخارجي فيما يقول بأن بعض القوات التابعة للحكومة اليمنية والموالية لتنظيم الإخوان المسلمين، تمهد لنفوذ خارجي على الأرخبيل عبر الصومال بإيعاز تركي من أجل تقوية نفوذها، وهو تكرار للمشهد الذي استعانت فيه الدوحة بحماية عسكرية تركية لتأمين حدودها من دول الجوار.
فالدولة اليمنية تعرضت لانهيار كامل لمؤسساتها العسكرية والأمنية والاقتصادية بسبب الحرب الأهلية الممتدة منذ 2015 حتى اليوم. وما كان إلا أن يتصدر المجلس الانتقالي واجهة المشهد هذه المرة بصورة مباشرة بعد أن كانت أبوظبي في واجهته، قبل إعلان سحبها للجزء الأكبر من قواتها العسكرية في بعض المناطق المحررة في 2019،كداعمة للمجلس وشريك فاعل وأساس يقدم مساعدات وخدمات لأهالي الأرخبيل، وهو دعم ضمن ما تقدمه دول التحالف العربي لليمن، والذي ارتأى أن من حقه كشريك تأمين مناطق تواجده، وكذا إدارة خدماته المدنية وأعماله الإغاثية بنفسه. في الوقت الذي ترى الحكومة اليمنية عكس ذلك تماماً.
الاستهجان الشعبي المتكرر والذي طالب فيه سكان ومشائخ سقطرى الرئيس عبدربه منصور هادي بإقالة المحافظ “رمزي محروس” الذي يتهمونه بتفجير الوضع عسكرياً واستحداث نقاط عسكرية وإعطاء أوامر فيما يقولون لقوات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين باختطافات واستهداف شخصيات اعتبارية وإعلامية في المجتمع السقطري دون أي مسوغات قانونية. هو ما أشعل فتيل الأزمة من جديد، رغم مساعي التهدئة التي تقودها السعودية، هذا الدور الذي تفضل “الرياض” أن تظهر به دوماً وهي تبرم اتفاقيات سلام وترعاها، لا أن تكون قوة ردع أو تفرض اتفاقياتها بالقوة، هو ما استأهل شجب واستنكار فصيل واسع في حكومة هادي، وجعلهم يعبرون عن استيائهم المتواصل عن هذا الموقف ومن موقف هادي نفسه.
حالة الإرباك والتوتر المسبق بين الإمارات الحليف الرئيس للانتقالي وبين أطراف في الحكومة اليمنية، أثار العديد من التساؤلات عن الكيفية التي يمكن أن تتعامل بها شرعية هادي مع قضية مصيرية كقضية سقطرى، وعن المدى الذي يمكن أن تجازف به الشرعية في علاقتها بالتحالف العربي الذي تعد الإمارات أحد أهم ركائزه إلى جانب السعودية.
حالة الإرباك والتوتر المسبق بين الإمارات الحليف الرئيس للانتقالي وبين أطراف في الحكومة اليمنية، أثار العديد من التساؤلات عن الكيفية التي يمكن أن تتعامل بها شرعية هادي مع قضية مصيرية كقضية سقطرى
فالإطلالة العسكرية التي قام بها المجلس الانتقالي مؤخراً، كشفت عن توتر حقيقي ومتراكم في سوء العلاقة بين الطرفين الحكومي والانتقالي، خاصة وأنه سبق ذلك تحشيد عسكري من قبل قيادات نافذة في الشرعية على منطقة شقرة في أبين شرقي مدينة عدن استعدادا لمهاجمتها، وهو ما تم لاحقاً عندما انطلقت أكبر عملية عسكرية باتجاه عدن منتصف مايو، رغم انهيار المنظومة الصحية في المدينة بسبب وباء كورونا، وكذلك عرقلتها تطبيق فقرات أساسية من اتفاق الرياض الموقع بين الطرفين، ما أدى لتأزيم الوضع حد الانفجار، فما كان من الضغوط الشعبية إلا أن تضع السعودية في موقف حرج من جديد للتدخل في دور وساطة في سقطرى.
تحاول هذه الورقة البحثية أن تسلط الضوء على ما جرى من أحداث في جزيرة سقطرى مؤخراً بين قوات المجلس الانتقالي وقوات تتبع الحكومة اليمنية، وهي تسرد تفاصيل جذور الأزمة اليمنية الإماراتية، بالإضافة لسيناريوهات تنافسية قديمة وجديدة عبر دول إقليمية ودولية حاولت استثمار الأزمات في سقطرى لصالحها، نظراً للأهمية الاستراتيجية الذي يشكلها موقع الأرخبيل. وعن مدى قبول السكان ورفضهم لمجريات ما حدث، وما الذي يمكن للمجلس الانتقالي الجنوبي أن يقدمّه من معالجات وحلول للمجتمع المحلي السقطري، خاصة في ظل إعلانه الإدارة الذاتية للجنوب، وفي ظل التحديات العسكرية والسياسية التي تخوضها البلاد في حربها مع الحوثيين، وبالشراكة مع دول التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
ما الذي حدث في سقطرى؟
يمكن القول أن أزمة الخلاف السياسي والعسكري الأخيرة بين قوات في الحكومة اليمنية تتبع فصيل “الإخوان المسلمين” وبين الانتقالي على جزيرة سقطرى،كانت الأكثر إرباكاً واستعصاءً منذ بدء الأحداث على الجزيرة، فهي اتخذت هنا منحى آخر بدأت فصوله في مطلع إبريل الماضي، عندما أعلنت ثلاث كتائب عسكرية تابعة للواء الأول مشاة بحري انضمامها للمجلس الانتقالي الجنوبي، وذلك رداً على الممارسات القمعية التي يقوم بها محافظ أرخبيل سقطرى “رمزي محروس” والقوات التابعة له، وقيامه بنشر نقاط تفتيش في مناطق متعددة من الجزيرة وعسكرة الحياة المدنية واعتقال المعارضين في مدينة “حديبو” عاصمة المحافظة. حيث وإن “كتائب رحب” التي تضم كتيبة الدبابات وكتيبة الدفاع الجوي وكتيبة الشرطة العسكرية أعلنت انضمامها إلى القوات الجنوبية وتأييدها للمجلس الانتقالي بعد ثلاثة أيام من إعلان محافظ سقطرى سيطرته على معسكر القوات الخاصة الذي كان خالي الوفاض.[1]
التغير المتصاعد في سقطرى بدأ بعد وفاة محافظ أرخبيل سقطرى السابق “أحمد عبدالله بن حمدون السقطري” في ظروف غامضة، والذي اعتبره سكان الأرخبيل خسارة فادحة وبمثابة إعصار ضرب الجزيرة دون سابق إنذار، في الوقت الذي كان فيه المحافظ الحالي “محروس” وكيلاً للمحافظة. تلك السلطة السقطرية التي كان قد تعاقب عليها ثلاثة محافظين قبل أن يؤول منصب المحافظ إلى يد الإخوان أخيراً بقيادة “محروس” كما يقول مناوئيه، والذين يتهمونه بأنه منذ أن تولى المنصب لم يشهدوا له أي إنجاز يذكر في خدمة الأرخبيل كما من سبقه من المحافظين، بل إنه تنكر لكل الإنجازات التي شهدها أثناء ما كان وكيلاً، وعمل على تعطيلها وحاول أن يخلق صراعات جانبية لتنفيذ أجندات خارجية معادية للتحالف العربي، وقام بتغييرات حتى على مستوى مدراء العموم في المحافظة، وأفرغ المكاتب التنفيذية من كوادرها، كما أنه اتبع نفس الإجراء على مسار الأمن العام واستبعد كوادره الأمنية المتخصصة، وأحل مكانهم شباب لا يملكون المؤهلات أو الخبرات الأمنية الكافية، ثم منحهم لاحقاً رتب عسكرية ميدانية، أقرب للميليشيا تتلقى توجيهاتها من “مأرب” حد وصف السكان هناك[2]، حيث وأن مدير الأمن السابق “أحمد بن عيسى” كان يشكل حجر عثرة بالنسبة لمحروس، والذي كان معيناً من قبل المحافظ “بن حمدون” آنذاك. وبعد فترة وجيزة من وفاة “بن حمدون” الغامضة، حدثت خلافات في إدارة الأمن، فيما إذا كان سيستمر مدير أمنها أم لا، وخرجت في إطار ذلك مسيرات شعبية تؤيد “بن عيسى” وتصر على بقاءه في إدارة الأمن، بيد أن القرار الرئاسي المفاجئ بتعيين مدير أمن جديد يدعى “علي أحمد الرجدهي”، قطع إرث “بن حمدون”، لكنه لم يقطع مخاوف الإخوان بقيادة محروس من الرجدهي، الذي أطيح به لاحقاً من قبل رئاسة هادي، بعد اتهامه بالتواطؤ مع المجلس الانتقالي على الدولة ومؤسساتها، وكذا تماهيه مع الممارسات الإماراتية الأخيرة في المحافظة.[3]
علاوة على ذلك، كان “محروس” يأمل من خلال تعيين مدير الأمن الجديد “فائز الشطهي” الذي تمت ترقيته لاحقاً من ملازم أول إلى رتبة عقيد، أن يحقق انتصارات أمنية وعسكرية أكبر مما يعتقد منذ توليه المنصب، لكون الأخير يُعرف عن انتماءه كذلك لتنظيم الإخوان، ويمكن لهما من خلال هذه المظلة استكمال مهام التجييش والتدريب التي يقودها وزير الدفاع “المقدشي” في مأرب ومحافظات شمالية أخرى، حيث وأنه بعد إيفاء فترة التجنيد يتم إرسال المجندين لمعسكرات ومساكن خاصة في سقطرى، من أجل التحشيد العسكري والتهيئة إذا ما اشتعل توتر جديد على الجزيرة، حد قول وجاهات قبلية هناك.
تفاقم استقطاب الشباب السقطري عبر “تنظيم الإخوان المسلمين” في الجزيرة، وكان لذلك أثر كبير على تموضعهم السياسي عبر المحافظ “محروس”، وأطراف أخرى في قيادة الشرعية وتحديداً نائب رئيس الجمهورية ووزير الدفاع “المقدشي”، الذي لا زالت سلطته تقوم بنقل عناصر من المنطقة العسكرية الثانية بسيئون ومن المهرة إلى سقطرى، وكانت كلما صدرت بيانات تدعو للتهدئة، يقابلها نصوص وضجيج إعلامي مضاد يحث على مواصلة التحشيد العسكري، ضد قوات المجلس الانتقالي وحليفتها الإمارات.
هذا التنافس المتفاقم بين قوات الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي أدى إلى تصاعد التوتر، بعد الممارسات القمعية التي كان ينتهجها المحافظ “محروس” ضد مناهضيه من الشباب السقطري، وكذا بعد زيارة قام بها لتركيا والتقى خلالها بقيادات تتبع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين والموالي لقطر، وهو ما استدعى من قيادة المجلس الانتقالي إلى اتخاذ الخطوات الأخيرة في استعادة سيطرتها على الأرخبيل، فيما تقول، حفاظاً عليه من أي تدخلات خارجية، خاصة وأن جماعة الإخوان داخل مؤسسات الشرعية عبر “حزب الإصلاح اليمني” تلوّح بطلب التدخل التركي وتهيء له من حينٍ إلى آخر.
تفاقم استقطاب الشباب السقطري عبر “تنظيم الإخوان المسلمين” في الجزيرة، وكان لذلك أثر كبير على تموضعهم السياسي عبر المحافظ “محروس”، وأطراف أخرى في قيادة الشرعية
مع هذا التغيّر في ديناميكيات القوة وموازينها على الأرض، يعتبر المجلس الانتقالي أن الوضع العام محسوم لصالحه على مختلف المستويات العسكرية والميدانية والأمنية، خاصة في ظل حضور رئيس القيادة المحلية للمجلس الانتقالي في سقطرى ” رأفت علي الثقلي”، الذي يلقى قبول شعبي واسع هناك. بينما تقلصت قوة المحافظ “محروس” الذي يعتبر في الوقت الحالي تحت حماية قيادة التحالف بعد الأحداث الأخيرة، وعملياً لم يتبقى بحوزته سوى مبنى المحافظة وإدارة الأمن بقيادة “الشطهي”، وإذا ما تم مقارنة ميزان القوة العسكرية بين أطراف الأزمة، فمحروس لديه 600 جندي تقريباً ( الشرطة العسكرية وإدارة الأمن)، بينما الحزام الأمني لسقطرى الذي أنشأه التحالف العربي عام 2016 لتأمين سواحل سقطرى والمطار والميناء من ظواهر التهريب والمخدرات والقرصنة وغيره، وكذا اللواء الأول مشاة بحري الذي انضم للمجلس الانتقالي مؤخراً، عددهم يصل لـ 4000 جندي، حيث يمتلكون عبر هذه القوة السلاح الثقيل من دبابات ومدفعية وذخائر ومخازن، ما يكفيهم مؤونة عام للأمام إذا ما استدعى ذلك[4].
وعلى الرغم من تبني التحالف دور وساطة بالتهدئة، إلا أن موقفه مازال غير واضح بالنسبة للطرفين، فيما إذا كان سيتجه لبناء قوة بديلة أو قوة موازية في سقطرى، بيد أن ذلك غير مرجح في ظل جهود “الرياض” لتنفيذ اتفاق الرياض، ودعمها المتواصل نحو الذهاب لتطبيقه وعدم القيام بأي خطوات تصعيدية مخالفة للاتفاق، وهو ما عبر عنه نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان في تغريدات نشرت على موقع التواصل “تويتر” أواخر شهر إبريل الماضي[5].
جذور الأزمة
يعود عمق الأزمة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى تراكمات سياسية وعسكرية سابقة كانت تميل للضبابية في أحيان كثيرة منذ بدء الحرب، إلى أن وصلت حد الانفجار في أواخر يناير 2018 في عدن (العاصمة المؤقتة)، عندما سيطرت قوات المقاومة الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي على أجزاء واسعة من عدن، بعد أسبوع من التهديدات والتحذيرات لطرد الحكومة اليمنية، فيما إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية بالتدهور وتجاهل مطالب أبناء محافظة عدن وغيرها من المناطق في جنوب اليمن، حسب تصريحات رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي، وعلى إثر ذلك استمر القتال والمعارك المسلحة على مدى ثلاثة أيام بين ألوية الحماية الرئاسية وبين المقاومة الجنوبية، انتهت بسقوط العشرات من القتلى من كلا الجانبين ومحاصرة مقر حكومة الرئيس هادي داخل قصر الرئاسة. فيما اعتبرته الحكومة اليمنية بناءً على تغريدات رئيسها بن دغر آنذاك، تهديداً صريحاً ومحاولة تهدف لإسقاط الحكومة كما حدث في صنعاء. لاحقاً انتهت الاشتباكات بدون انتصار واضح لأي من الطرفين، بعد وساطة سعودية أدت إلى انسحاب قوات الانتقالي من ألوية الحماية الرئاسية التي سيطرت عليها.
هامش الحركة بالنسبة للحكومة اليمنية بدأ يقل تدريجياً، وهو ما عنى بأن هناك ثمة حاجة للاتفاق على السياسات الواجب اتباعها ضمن مقاربات تشمل عمليات التحالف، أو على الأقل تجاه الإمارات حليفة الانتقالي، التي كانت آنذاك تحكم السيطرة على عدن قبل انسحابها، لكونها شريك رئيسي إلى جانب السعودية في الحرب على اليمن، وخارطة تحالفاتها العسكرية والأمنية في الجنوب تحديداً أوسع من الحكومة ذاتها.
وعلى الرغم من سكون خطوط المعركة والمناوشات بين الطرفين من وقت لآخر، إلا أن أحداث عدن شكلت خلفية لصراعات سياسية وعسكرية متكررة، انتقلت رقعة خلافاتها على جزيرة سقطرى، وهو ما فتح شهية كثير من دول الإقليم التي تكن عداءً مسبقاً للإمارات عبر استغلال ما جرى بينها وبين الحكومة اليمنية، فكان لتنظيم الإخوان المسلمين عبر “حزب الإصلاح اليمني” أيضاً بصمة واضحة نحو تصعيد حملة إعلامية كبيرة مدعومة من الخارج، لمناهضة التدخل العسكري الإماراتي في سقطرى، في محاولة واضحة منه لرد اعتبار ما حدث له في عدن.
بُعد سقطرى عن نيران الحرب في اليمن، لم يعفيها من أن تسلم من تبعاتها، فمثّل إلى جانب تصاعد أحداث أزمة الخلاف بين طرفي الشرعية وأبوظبي في 2018، لفت النظر إلى أهمية موقع جزر الأرخبيل، الذي تتنافس على محيطه الهندي الكثير من القوى البحرية والبرية في معركة نفوذ دولية، تسعى لإعادة رسم دورها في خريطة المنطقة العربية والعالم.
وعلى الرغم من سكون خطوط المعركة والمناوشات بين الطرفين من وقت لآخر، إلا أن أحداث عدن شكلت خلفية لصراعات سياسية وعسكرية متكررة، انتقلت رقعة خلافاتها على جزيرة سقطرى
يحدد هذا المنظور جذور الأزمة السقطرية التي بدأت فصولها في مطلع مايو 2018، من خلال زيارات عدة كانت تقوم بها حكومة بن دغر آنذاك في المحافظات اليمنية الواقعة تحت سلطة الشرعية، لتسوية الأوضاع الاقتصادية ووضع حجر أساس لعدد من المشاريع التنموية، من بينها مشاريع في جزيرة سقطرى. قوبلت تلك الزيارة في يومها الأول بتظاهرات احتجاج من بعض سكان الجزيرة، بسبب الأداء السلبي للحكومة والإهمال الذي كان يطالها وسكانها لعقود.
بصورة مفاجئة وبدون إبلاغ للقوات اليمنية، هبطت في مطار سقطرى 5 طائرات عسكرية إماراتية، على متنها دبابات وعربات ونحو 100 جندي، في خطوة وصفتها مصادر حكومية يمنية لوسائل إعلام دولية، بأنها “احتلال” للجزيرة. معتبرة ذلك “أمرا غير مبرراً”، وذلك عقب سيطرتها على المطار والميناء، وإبلاغ الموظفين في المنفذين بانتهاء مهامهم. ما أثار حفيظة الحكومة لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن بشأن الإجراءات العسكرية التي أقدمت عليها أبوظبي في سقطرى. موضحةً أن هذا الوجود له آثار سلبية عدة، في إشارة إلى أنها أبلغت السعودية “بضرورة التنسيق بين أطراف التحالف”.[6]
كان الرد العام سريعاً ومتوقعاً، ففي حين عبرت حكومة بن دغر حينها في بيان لها، أن الإمارات تتواجد في الجزيرة بصفتها المدنية منذ ثلاث سنوات آنذاك، ولم يطرأ جديد في وضع الجزيرة السياسي والعسكري ما يستوجب السيطرة على المطار والميناء، في تعبير على أن جوهر الخلاف يتمحور حول السيادة الوطنية، بررت أبوظبي دوافع تواجدها على الجزيرة في بيان استهجان عبر خارجيتها، بأن إقحام موضوع السيادة لا يمت للواقع بصلة، متهمةً تنظيم الإخوان باستهداف الإمارات في حملات مغرضة لتشويه دورها ومساهمتها الفاعلة ضمن جهود التحالف العربي الهادفة إلى التصدي للانقلاب الحوثي على الشرعية. وهي تؤكد، أن لا مطامع لها في اليمن وإنما جاءت خطواتها دعماً لأمنه واستقراره.[7]
وفي أثناء ما كانت أطراف الأزمة تتبادل البيانات النارية فيما بينها بخصوص تطور الأوضاع في سقطرى، كان السكان يخرجون في مظاهرات حاشدة في “حديبو” عاصمة الجزيرة، تارة تؤيد الوجود الإماراتي لكونها تعتبر أنها ظلت لعقود طويلة مهملة من قبل الحكومة اليمنية، ورأت في الوجود الإماراتي خلاصاً لسكانها من الإهمال والتهميش من خلال تقديمهم المساعدات والخدمات التي كانوا يفتقرون إليها، وهو ما رحب به المجلس الانتقالي الجنوبي أيضاً في بيان[8]، على أن الدور التنموي الذي تقوم به الإمارات يدعم تثبيت الأمن والاستقرار و المشاريع الاقتصادية والإنسانية، ويؤمن المياه الإقليمية وطرق الملاحة البحرية من أي تسللات للقوى الإرهابية. وتارة تظاهرات احتجاج سكانية ترفض الإجراء العسكري وتعتبره تدخلاً يمس السيادة الوطنية، وعمل يخرج عن إطار مساعي التحالف الداعم للشرعية في اليمن. لكن الأمر لم يقتصر على ردة فعل الأهالي في التأييد والاستنكار، فقد عبّرت عدة دول عربية وأجنبية في بيانات رسمية لها دعوتها لتهدئة الأزمة، من بينها أمريكا وبريطانيا.
أنهى الخلاف المتصاعد الذي استمر لأكثر من 72 ساعة بين الحكومة اليمنية وأبوظبي في 2018، وصول لجنة سعودية عسكرية لاحتواء أسباب التوتر الذي قضى بتسليم القوات الإماراتية مطار وميناء سقطرى للقوات السعودية، والذي من المفترض أن تقوم بدورها حينذاك حسب الاتفاق بتسليم هذه المواقع للقوات اليمنية. وهو ما عبرت عنه الحكومة اليمنية عبر رئيسها بن دغر آنذاك بأن ما حدث، لا نصر ولا هزيمة لأحد هو انتصار للجميع بعد أيام من التوتر. وقد أرادت السعودية من خلال هذا الإجراء أن تحافظ على مسافة حياد كالتي حدثت في عدن، وحاولت أن تسد سردية النفوذ التي تتهم أبوظبي بأنها تسعى للسيطرة على الجزيرة، وأحلت مكانها تفسيرات أخرى على أنها حماية لأمن اليمن وتعزيزاً لحماية الأمن العربي والقومي من التوسع الإيراني. أو على الأقل هي كذلك في المقام الأول.
الموقع والأهمية الجيواستراتيجية أحد أسباب الأزمة:
يمثل أرخبيل سقطرى مكانة استراتيجية بحرية هامة، لموقعه الذي يشكل نقطة التقاء بين المحيط الهندي وبحر العرب مع باب المندب، حيث تقع سقطرى وهي الجزيرة الرئيسية والأكبر من بين الجزر اليمنية والعربية على بعد 350 كم جنوب شبه الجزيرة العربية، وعلى بعد 380 كم من رأس فرتك بمحافظة المهرة كأقرب نقطة في الساحل اليمني. ويتبع أرخبيل سقطرى إدارياً محافظة حضرموت، ومنذ عام 2012 أصبح الأرخبيل محافظة بمديريتين مديرية حديبو (شرق) ومديرية قلنسية وعبد الكوري (غرب) والعاصمة حديبو.
تم تصنيف الجزيرة كأحد مواقع التراث العالمي في الاجتماع الـ 32 للجنة التراث العالمي عام 2008، وبالاعتماد رقم 1263 ولقبت “بأكثر المناطق غرابة في العالم”، حيث اعتبرت ضمن قائمة المواقع البيئية والبحرية ذات الأهمية البيولوجية، وهو ما يجعلها تابعة لاتفاقية التنوع الحيوي والذي لا يخول المساس بمواردها الطبيعية. إذ تمتاز بوجود أكثر من 307 نباتات فريدة من نوعها، وهي لا توجد إلا على هذه الأرض، بينما يبلغ إجمالي النباتات الموجودة على سطحها 800 شجرة، ما يدل على حرص السقطريين في المحافظة على ثروتهم النباتية[9].
ويعيش أهالي سقطرى الذي يبلغ عددهم أكثر من 45 ألف نسمة على صيد الأسماك والحيوانات وعلى جمع منتجات نباتات مقدسة مثل اللبان والصبر السقطري والمر والبخور. ويعتقد اليمنيون أن شجرة دم الأخوين العجيبة التي تنمو على جبالها تعود تسميتها إلى الأخوين “هابيل وقابيل” اللذان عاشا على هذه الجزيرة، وتقاتلا فيما بينهما ما جعل من أول قطرة دم تنزف منبتاً لهذه الشجرة، حتى أن شجرة دم الأخوين عندما يتم تجريحها يسيل منها سائل أحمر اللون، يستخدم عادةً في تبييض الأسنان ويدخل في صناعات دوائية ومستحضرات للتجميل.
وما يضاعف من أهمية موقع أرخبيل سقطرى الجيواستراتيجي بالمنطقة، هو تناثر جزره على امتداد أفقي من الشرق إلى الغرب في تقاطع الممرين البحريين الاستراتيجيين (البحر الأحمر وخليج عدن)، وهذا الممر البحري يشكل جسر عبور حيوي لناقلات النفط ولنسبة كبيرة من الصادرات التجارية للقوى الآسيوية الصاعدة إلى أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، كما يتحكم بالطريق التجاري البحري الذي يربط المحيط الهندي والخليج العربي مع قارة أفريقيا وأوروبا عبر مضيق باب المندب، وبحكم قربه الجغرافي أي أرخبيل سقطرى من شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي والساحل الجنوبي الغربي لدول غرب وجنوب آسيا (ايران، باكستان، أفغانستان)، فإنه يعطي من يسيطر عليه عسكرياً المقدرة على ضرب ومهاجمة دول شرق أفريقيا وجنوب غرب آسيا ودول شبه الجزيرة العربية بالصواريخ والطائرات الهجومية، بل وحماية أو السيطرة على مضائق المحيط الهندي الثلاثة: مضيق باب المندب، ومضيق هرمز، ومضيق ملقا[10].
ونظراً لهذه الأهمية فقد احتدم التنافس الجيوسياسي على أرخبيل سقطرى منذ عهود قديمة، حيث احتلها البرتغاليون في مطلع القرن السادس عشر عام (1507م)، ثم احتلها البريطانيون لكونها شكلت قاعدة خلفية لاحتلالهم لمدينة عدن عام 1839م[11]. ثم عاد التنافس بين روسيا وأمريكا خلال الحرب الباردة، حيث كان للاتحاد السوفياتي وجود عسكري في جزيرة سقطرى، والتي كانت في ذلك الوقت جزءاً من جنوب اليمن.
سيناريوهات النفوذ على الجزيرة:
1- نفوذ أمريكي:
بعد الوحدة اليمنية التي وقعت بين الشمال والجنوب عام 1990م، كان قد بدأ أول سيناريو أمريكي للسيطرة على جزيرة سقطرى عام 2010م، وذلك عندما وضعت الولايات المتحدة استراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب، حيث تم الاتفاق مع الرئيس اليمني السابق علي عبد اللـه صالح، على التعاون المشترك في أعمال مكافحة تنظيم القاعدة. رغم أن صناع القرار الأمريكي كانوا يعلمون جيداً دور علي عبد اللـه صالح في تعزيز قوة المدراس الدينية المرتبطة بالقاعدة.
لكن حاجة الولايات المتحدة إلى اليمن لم تنحصر فقط في التعامل مع تنظيم القاعدة، وإنما تجاوزت ذلك إلى تحقيق أهداف أخرى تشمل مكافحة القرصنة البحرية وحماية السفن التجارية العابرة لمضيق باب المندب شمالا وجنوباً. وفي ضوء ذلك عقد الجنرال ديفيد بتريوس قائد القيادة الوسطى الأمريكية اجتماعاً مع الرئيس اليمني علي عبد اللـه صالح في العاصمة اليمنية صنعاء، في الثاني من يناير 2010، في لقاء صورته أجهزة الإعلام على إن الهدف منه كان البحث في سبل مواجهة الإرهاب، ردًا على محاولة تفجير طائرة شركة نورث ويست (الرحلة 253) والتي تم إحباطها في ديترويت. والحقيقة أن ذلك اللقاء كان مخصصاً بشكل رئيسي لبحث طلب الحكومة الأمريكية إقامة قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى. وطبقاً لمصادر عسكرية أمريكية فإن الرئيس اليمني “وافق على تسليم الجزيرة للولايات المتحدة لإقامة قاعدة عسكرية متكاملة بحرية وجوية واستخباراتية” لتنفيذ المخطط الكامل للقاعدة الجوية والبدء في إقامة منشآت البنية الأساسية اللازمة لها. وفي مقابل تسليم سقطرى للولايات المتحدة الأمريكية قررت واشنطن زيادة المساعدات العسكرية لليمن إلى أكثر من الضعف، لتبلغ أكثر من 150 مليون دولار أمريكي مقابل 70 مليون دولار. وبذلك تكون المساعدات العسكرية والأمنية الأمريكية لليمن قد زادت بمقدار 14 مرة تقريبا مقارنة بما كانت عليه في العام 2006.[12]
استمر الدور الأمريكي في اليمن إلى ما بعد الثورة اليمنية عام 2011م، في تعزيز عملياته العسكرية وتنفيذ بعض الضربات الجوية لتنظيم “القاعدة” ما بين الحين والآخر عبر “الدرونز” طائرات بدون طيار. والتي كانت تعلن من خلاله عن مقتل عدد من قيادات التنظيم، إلى أن بدأت الحرب الأهلية في اليمن مطلع العام 2015م، والتي من خلالها سعت الولايات المتحدة إلى تقديم الدعم العسكري واللوجستي لدول التحالف في حربها ضد جماعة الحوثيين وعلى رأسها السعودية، لكونها رأت أن للسعودية دوراً محورياً في حفظ التوازن في الشرق الأوسط كقوة لها ثقلها الإقليمي وكحليف وثيق لأمريكا في المنطقة.
ومن وجهة النظر الأمريكية المعلنة، فاهتمام الولايات المتحدة بجزيرة سقطرى وموقع اليمن البحري عموماً يضمن العمل على التغلب على محاولات إيران لزعزعة استقرار اليمن، والذي عبّر عنه وزير الدفاع الأمريكي ماتيس، في إحدى جولاته بالشرق الأوسط منتصف العام 2017 [13]. مضيفاً أن عليه مواصلة جهود بلاده للدفع نحو وساطة الأمم المتحدة. كما أن الأزمة بين الحكومة اليمنية ودولة الإمارات وهو يعني أزمة 2018، جعلت من الخارجية الأمريكية تصدر بيان عن متابعاتها للوضع في جزيرة سقطرى، والذي دعت فيه إلى الحوار السياسي وتخفيف التصعيد لضمان سلامة السكان وأمنهم. إضافة لدعوتها في نفس البيان، مختلف أطراف النزاع إلى التركيز على العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وتبنيها، والعمل نحو هدف موحد يتمثل في جعل اليمن آمناً ومأموناً ومزدهراً.[14]
وبالنسبة للعامل الأهم في النفوذ الأمريكي، فإن إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى، هو جزء من عملية أوسع نطاقًا من عسكرة المحيط الهندي ويتكون هذا الأخير من دمج وربط جزيرة سقطرى بالبنية القائمة، وكذلك تعزيز الدور المهم الذي لعبته القاعدة العسكرية دييغو غارسيا في جزر تشاغوس قبل الحرب العالمية الأولى، والتي أشار الأدميرال ألفريد ثاير ماهان، الخبير الجيوستراتيجي في البحرية الأمريكية، إلى أن “كل من يحقق السيادة البحرية في المحيط الهندي سيكون لاعبًا بارزًا على الساحة الدولية”. الأمر المثير في كتابات الأدميرال ماهان، هو السيطرة الاستراتيجية من الولايات المتحدة على الطرق الرئيسة في البحار والمحيطات وخاصة المحيط الهندي، مضيفاً: “إن هذا المحيط هو المفتاح للبحار السبعة في القرن الحادي والعشرين؛ سيتم تحديد مصير العالم في هذه المياه”.[15]
2- ادعاءات صومالية:
” إن كل محاولة لتشويه وتبديل وجود الصوماليين في هذه البقعة لن يغير مطامع الصوماليين في استعادة جزيرتهم المحتلة بالسلوك الدبلوماسي أو بالحرب ضد اليمن” كان قول المفكر الصومالي أحمد حسين، امتداداً لتوتر العلاقات بين الصومال واليمن الديمقراطية الشعبية – جنوب اليمن في بداية السبعينات منذ ما قبل الوحدة اليمنية من القرن الماضي، وذلك عندما تدخلت القوات الجنوبية اليمنية في حرب دارت بين الصومال وإثيوبيا بسبب النزاع على “إقليم أوغادين” الذي تقطنه أغلبية صومالية، بعد أن سيطر الصومال على قرابة 90% من الإقليم، واستولوا على المدن الاستراتيجية الهامة فيه، فساند اليمن الجنوبي إلى جانب ليبيا وكوبا وروسيا نظام إثيوبيا بالسلاح ودعمه بالطائرات السوفيتية والمدرعات والأموال، لإجبار الصومال على الانسحاب وإبعادها عن المناطق القريبة من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
فكانت هذه الحرب بداية لتعميق الفجوة بين اليمن والصومال، الذي كان يوصف جيشه آنذاك بـ “أسد أفريقيا”. انشغلت الصومال بعد ذلك بحروبها الأهلية لكنها ما فتئت عن مطالباتها المتكررة على أحقية ملكيتها لجزر أرخبيل سقطرى عبر حكوماتها المتعاقبة، قياساً على المسافة البحرية الأقرب للصومال المقدرة بـ 250 كيلو متر، فما كان منها إلا أن تفتح ملف الأرخبيل في أروقة الأمم المتحدة للمطالبة بتحديد وضع الجزر وجرفها القاري على أنها تقع ضمن حدودها الجغرافية، في الوقت الذي تقدمت اليمن بطلب مماثل إلى الأمم المتحدة لحسم هذا الملف، وفقا لقانون الجرف القاري والذي نصت عليه اتفاقية جنيف 1958 والمواد 76 و77 من اتفاقية 1982 حول قانون البحار.
قانونيون ومحامون يمنيون وآخرون أجانب من ضمنهم المحامي البريطاني آلن ثورنتن، أكدوا بأن سقطرى جزء من سيادة الجمهورية اليمنية، لكن ادعاء الصومال أحقيتها بالأرخبيل قد يدفع بالأمم المتحدة إلى اتخاذ قرار يتناسب مع تلك الادعاءات في ظل إهمال اليمن وحكومته لهذه الادعاءات، وبأنه قد يتخذ قرار رفع السيادة عن الأرخبيل إذا لم تدافع اليمن عن سيادتها.
العامل المحدد في التصريحات الصومالية هو ادعاء وجود مستندات تاريخية تقضي بأن جزيرة سقطرى تقع في المياه الإقليمية الصومالية، وهذا قد يؤدي لعقد تحالف مناسب لها مع تركيا التي تمتلك أكبر قاعدة عسكرية لها خارج البلاد، هذه القاعدة في الصومال تخلص إلى ملاحظة بأن “اسطنبول” قد تدخلها ضمن الاستراتيجية التركية للتمدد في أفريقيا والعالم العربي[16]، وتكون الصومال المنطلق لهذه المهمة.
باختصار، أثرت هذه المخاوف على اليمنيين الذين عبّروا باستمرار عن وجوب تعزيز تواجدهم في جزر الأرخبيل، ورفع مستوى الخدمات واتخاذا الاجراءات المناسبة، في ظل غياب الأداء الفعلي للحكومة اليمنية على الجزيرة، وفي ظل الطلب الرسمي الذي تقدمت به الصومال في الأمم المتحدة والذي لازال قيد النظر. وهو ما أكده السفير اليمني في بريطانيا ياسين سعيد نعمان، على صفحته بفيسبوك، على أن “ملف سقطرى قضية مثارة على صعيد تحكيم دولي يشتغل فيه الصومال بهمة عالية منذ فترة طويلة، وقد اختاروا لذلك شركة محاماة من أهم الشركات العالمية في هذا المجال.”[17]
3- تواجد إماراتي:
لا يمكن فهم الدور الإماراتي في سقطرى، دون فهم ديناميكيته العسكرية وخارطة تحالفاته على الأرض في مناطق النفوذ المحررة، فالإمارات إلى جانب أنها كانت تحكم السيطرة على عدن بمعية “الانتقالي” قبل إعلان انتهاء عملياتها العسكرية، فهي وسعت تواجدها في محافظة حضرموت بعد أن كان منحصراً على المدن الساحلية فقط، وشكلّت قوات النخبة الحضرمية لتشمل حضرموت الوادي والصحراء. تحت دافع محاربة “تنظيم القاعدة” ضمن عملياتها العسكرية في وادي المسيني بحضرموت في عملية أطلقت عليها آنذاك “الفيصل”، تلتها لاحقاً عملية “السيف الحاسم” في عتق بمحافظة شبوة، والتي نفذتها قوات النخبة الشبوانية بمعية التحالف العربي، وأمّنت من خلالها حقول النفط والغاز في جنوب اليمن، قبل أن تسقط بيد قوات تابعة للحكومة اليمنية محسوبة على “حزب الإصلاح اليمني” وتسيطر على المحافظة من جديد.
هذه القوات العسكرية التي عملت أبوظبي على تدريبها وتشكيلها، كانت موازية لقوات الحزام الأمني في عدن ولحج وأبين. وهو ما جعلها تعمل على تعزيز دورها بشكل أكبر على جزيرة سقطرى، وذلك عبر تدريب تشكيلات عسكرية سُميت هي الأخرى بقوات “الحزام الأمني سقطرى”, ليشمل ذلك خارطة تحالفاتها العسكرية الممتدة إلى مناطق مختلفة في اليمن، فهي حسب صحف دولية [18] عملت أيضاً على بناء قاعدة عسكرية ومركز اتصالات وإجراء تعداد للسكان على الجزيرة، كما أنها وفّرت إمكانية السفر جواً للسقطريين وبشكل مجاني لأبوظبي للحصول على الرعاية الصحية وفرص العمل.
في أعقاب هذا التواجد، فازت مجموعة موانئ دبي العالمية بالتزامات لتشغيل موانئ تجارية وتحديثها في المنطقة، وأعادت مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان بناء ميناء حولاف في محافظة سقطرى. وقد حُوِّلت بعض هذه الموانئ التجارية، مثل بربرة التابع لأرض الصومال، إلى مواقع بحرية إماراتية. وهنا تحتاج الإمارات، على ضوء مصالحها التجارية والعسكرية المشتركة في القرن الأفريقي، إلى منع الشبكات الجهادية من النمو في هذه المنطقة الفرعية المتكافلة، مع تنامي هجمات القراصنة على طول الساحل الصومالي وفي خليج عدن. وهكذا فإن ممارسة تأثير في جنوب اليمن يمنح الإمارات تفوّقاً على إيران وتركيا وقطر في إطار المنافسة بينها لفرض نفوذها غرب المحيط الهندي [19].
في هذه الأثناء، تتمتّع الإمارات بقدر كبير من النفوذ الموازي على المواقع الإلكترونية التي تأسست بدعم مالي سياسي وإعلامي، تديره أدوات تنفيذية من أطراف يمنية مختلفة في الشمال والجنوب، يتركز معظم عملها إلى جانب تغطية المعارك العسكرية، على تغطية الجهود المدنية التي يقدمها الهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان، وتحديداً جهودها في أرخبيل سقطرى، فيما تقول بعد الخراب والدمار اللذين خلفتهما الأعاصير في 2015 و2018م[20]، في العديد من المؤسسات العامة والخاصة ومساكن المواطنين وكذلك ميناء ومطار الجزيرة، كما أن الدعم الإماراتي بكافة مستوياته عمل على تغطية مختلف المجالات الإنسانية والخدمية والصحية والتعليمية والتنموية والاستراتيجية والأمنية، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على أوضاع الأرخبيل والمناطق المحررة داخل اليمن.[21]
في غضون ذلك، ظلت التصوّرات والرؤى المعلنة من قبل نخبة من سياسيي وإعلاميي الإمارات بشأن سقطرى، تشعل لهيب من دورات الاتهامات المتبادلة بين الأطراف اليمنية ومخاوف من تطور الأزمة، مما ترك بصمات واضحة على سلوكيات ومواقف الرأي العام في اليمن سواء الرافض أو المؤيد للوجود الإماراتي، قابلتها أطراف إماراتية أخرى تسعى للتهدئة، وهي تعبر باستمرار عن رغبتها في مد يد العون لسقطرى، واعتبرت أن الأعمال التي تقوم بها أبوظبي هناك، لا تخرج عن إطار التحالف العربي الذي يصب في مصلحة سكان الأرخبيل. وخصصت لذلك أكثر من وسم للتغريد على منصة تويتر، للتأكيد على الدور التنموي والإنساني الذي تقوم به.
4- قطر وتركيا على خط الأزمة:
إن المشهد السياسي والعسكري المعقد بعد الحرب الأخيرة في اليمن، سمح لدول أخرى استغلال أزمة سقطرى لإثارة المزيد من القلاقل عبر حروب إعلامية متواصلة، كانت قطر تنحي فيها لائمة الاختلالات الأمنية في بعض المناطق اليمنية المحررة على أبوظبي بشكل صريح، خصوصاً بعد الأزمة القطرية الخليجية منتصف العام 2017م. وهو ما استدعى بروز نسق إقليمي جديد بين مختلف أطراف الحرب في اليمن، من حيث شكل وطبيعة التحالفات وموازين القوة على الأرض، وذلك بعد أن قررت قيادة التحالف العربي إنهاء مشاركة قطر في العمليات العسكرية الجارية هناك .
سردية الصراع والقطيعة السياسية بين الأشقاء في دول الخليج، فتح العديد من الملفات القديمة، كان أبرزها محاولات الدوحة تقديم عروض لليمن من أجل الاستثمار في أرخبيل سقطرى، واستئجار أجزاء واسعة من الجزيرة، غير أن المناقشات في الجانب اليمني لم تصل إلى اتفاق بسبب محاولات قطر الحصول على امتيازات فُسرت على أنها تمس بالسيادة اليمنية[22]، وذلك بالتزامن مع تصاعد الشكوك في أنها ستسمح لدول كبرى ببناء قواعد عسكرية.
والواقع أن مخاوف مشابهه على ضفة الصومال سرعان ما تحققت من أهم الحلفاء الرئيسيين لدولة قطر، عندما افتتحت أنقره رسمياً أكبر قاعدة عسكرية لها خارج تركيا أواخر سبتمبر 2017م، في جنوب العاصمة الصومالية مقديشو. والتي ضمت ثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى، أُعلن أن الهدف من إنشاءها هو المساعدة في بناء جيش صومالي قوي، قادر على مواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة. وهو الأمر الذي زاد من حجم التوترات بين العلاقات الصومالية الإماراتية، خصوصاً بعد احتجاز السلطات الصومالية طائرة إماراتية والاستيلاء على مبالغ مالية بها، فكان على إثر تلك الواقعة أن أعلنت أبوظبي إنهاء مهمة قواتها التدريبية في الصومال لبناء الجيش الصومالي التي بدأت عام 2014م[23].
وهكذا، ظل يُطرح سؤال بديهي ضمن أسئلة عديدة أثناء أزمة سقطرى، من سيحمي الجزيرة فيما إذا قررت الصومال بإيعاز من قطر وتركيا التدخل بشكل أكبر وفرض سيطرة على الأرخبيل، بحكم مطالبات صومالية سابقة بأحقيتها في ملكيته والسيادة عليه، خاصة بعد إنشاء تركيا قاعدة عسكرية لها في منطقة القرن الأفريقي، وفي ظل غياب قوات حكومية يمنية مجهّزة لحماية الجزيرة؟ أو قوات متواطئة حسب اتهامات لأطراف في الحكومة اليمنية عبر “حزب الإصلاح اليمني”، فالقوات التركية سبق أن اقتحمت عفرين عسكرياً في سوريا رغم اعتراض الحكومة السورية وسيطرت على مناطق عدة في شمال سوريا، وتدخلت عسكرياً في شمال العراق رغم اعتراض حكومة بغداد أيضاً، فضلاً عن إعلانها دويلة في شمال قبرص لم تعترف بها أي دولة في العالم سوى تركيا نفسها. وأخيراً تدخلها اللافت في ليبيا، لهذا ظلت هناك مخاوف من التدخل التركي إزاء أحداث سقطرى، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال بعض التغطيات الإعلامية التي أدارت أحداث الأزمة، وتناولتها بصورة تصعيدية من الجانبين القطري والتركي.
من سيحمي الجزيرة فيما إذا قررت الصومال بإيعاز من قطر وتركيا التدخل بشكل أكبر وفرض سيطرة على الأرخبيل؟
والجدير بالملاحظة هو تسليط الضوء على بعض التقارير عن وجود عناصر مخابرات تركية في محافظة شبوة تحت غطاء منظمة الإغاثة الإنسانية التركية التي تنشط في المحافظة منذ سقوطها تحت سيطرة “الإخوان المسلمين” في أغسطس 2019. الأمر الذي يفسر بأن الجهود التي تقوم بها تركيا ماهي إلا زيادة لوجودها بالقرب من مضيق باب المندب، وتعزيز نفوذها في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.[24]
وبالعودة قليلاً للوراء، كانت الخارجية التركية قد أصدرت بيان قلق إزاء التطورات في سقطرى، والذي عبرت فيه على أن الأزمة تشكل تهديداً جديداً لوحدة أراضي اليمن وسيادته، وبأن اليمن يمر بفترة صعبة للغاية جراء الصراعات المستمرة[25]، إلا أن الكثير من المحللين اليمنيين عبروا عن استيائهم المستمر أثناء الأزمة وقبلها، من مخططات اعتبروا أنها تخدم مشروع الإخوان وأجنداته في الدوحة وأنقرة، فكانت جزيرة سقطرى نقطة الانطلاق لتلك الأهداف الغير معلنة، نظراً لأهمية موقعها الجيواستراتيجي.
ولا يبدو وارداً بالنسبة للإخوان المسلمين عبر “حزب الإصلاح اليمني” أن هناك هدف جاد وحقيقي لإتمام تحرير المناطق تحت سيطرة الحوثيين، وذلك من خلال موقف قواتهم الرافض آنذاك مساندة ألوية العمالقة الجنوبية في عمليات تحرير الساحل الغربي من أجل تحرير الحديدة، وفق تكتيك مرسوم كان يهدف لإبقاء الوضع معلقاً هناك، ومنح التواجد التركي الفرصة للبقاء في جنوب البحر الأحمر، وتعزيز قواعده العسكرية المقابلة له في الصومال.[26]
علاوة على ذلك، كان لسياسة الدوحة أثر كبير على مسار الأحداث في اليمن، بدءاً بحروب صعده الستة ومساعيها لحل النزاع بين الحكومة والحوثيين، مروراً بدعمها لقيادات “حزب الإصلاح اليمني” جناح الإخوان المسلمين في اليمن إبان ثورات الربيع العربي 2011م، مفترضة أنه سيحل محل تلك الأنظمة مجموعات إسلامية أكثر تنظيماً من بقية الكيانات المعارضة، وانتهاءً بمشاركتها في العمليات العسكرية مع التحالف العربي في اليمن، والذي عبرت عنه الحكومة اليمنية في بيان لها، أن ممارسات قطر تتناقض مع الأهداف التي اتفقت عليها الدول الداعمة للحكومة اليمنية الشرعية، من خلال تعاملها مع الميليشيات الانقلابية ودعمها للجماعات المتطرفة في اليمن.[27]
سكان سقطرى بين الشكوك والقبول
لم يكن التواجد الإماراتي مشكلة مستعصية بالنسبة لسكان أرخبيل سقطرى، حتى للمعارضين منهم، طالما أن هناك خدمات ومشاريع تنموية تقدم لإعمارها، فسقطرى رغم أهميتها الاستراتيجية ظلت مهملة لسنوات طويلة من قبل الحكومات اليمنية المتعاقبة. وما إن انطلق قطار المشاريع والجهود التنموية الإماراتية في أواخر عام 2012 بعد إعصار مرجان تحديداً، انتعش سكان الجزيرة المنسية، وكان افتتاح المستشفى الوحيد على الجزيرة، مستشفى الشيخ خليفة بن زايد الذي يعالج أكثر من 95% من السكان بداية لانطلاق بقية المشاريع الخدمية والإغاثية. فكان من ضمنها تعميق آبار لضخ المياه لمدينة حديبو، وتوفير المياه للمناطق النائية الشحيحة بالمياه، التي كان سكانها يعتمدون على مياه الأمطار، وهو ما ترافق مع العديد من المساعدات الإنسانية والغذائية.
وعلى الرغم من جهود إعادة إحياء الجزيرة الذي امتد إلى ما هو أبعد من الإغاثة، عبر تقديم 40 منحة دراسية لطلاب وطالبات سقطرى سنوياً، وتأهيل وصيانة 17 مدرسة، ورعاية حفلات زفاف جماعي لشباب وشابات في الجزيرة، وإعادة تأهيل شبكة حديبو وقلنسية للكهرباء وتطويرها، وتوسعة ميناء حولاف وتوفير المشتقات النفطية والغاز المنزلي للأرخبيل[28]،إلا أن السردية العامة بالنسبة للحكومة اليمنية تبدو انتقادية بصورة كبيرة تجاه الوجود الإماراتي على الجزيرة والأسباب الحقيقية من وراء ذلك، في مقابل ذلك تجد سردية تفاؤلية ومتعاطية من طرف القيادة السقطرية بالجهود التي تبذل، و الذي عبرّ عنها بالقول محافظ سقطرى السابق، اللواء سالم السقطري: “الإماراتيون أتوا يغيثون سقطرى كبقية المحافظات بدعم سكانها، وهو أمر يشكرون عليه”.مضيفاً: “إن الرحلات الجوية من الإمارات أتت استجابة لتوجيهات رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي وعبر وزارة النقل رسميًا، وفوائد هذه الرحلات كبيرة على سكان الجزيرة والوطن ككل”. كما يقول: الإمارات حاضرة معنا بمؤسساتها، وهي مؤسسة خليفة بن زايد وهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وما يشاع عن سقطرى في الإعلام عار عن الصحة، وكل ما يجري فيها هو دعم إنساني، إعانة محتاجين، كفالة أيتام، بناء مدارس ومنشآت تعليمية”.[29]
في مقابل هذا التفاؤل الذي تعكّر لدى البعض من السكان بعد الأحداث الأخيرة، هناك من عبر عن استياءه لاستمرار الوجود الإماراتي على الجزيرة، لأنهم رأوا فيه خروجاً وتحولاً عن إطار العمل المدني والإغاثي إلى العمل العسكري، الذي ظل سكان الجزيرة ينأون به عن أنفسهم لسنوات طويلة، وعبروا عن هذا الرفض بتظاهرات شعبية تدعم الحكومة اليمنية.
شعبياً، أثارت الأزمة الأخيرة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، جدلاً واسعاً بين مؤيد ومعارض حتى على المستوى الجغرافي جنوباً وشمالاً، فالجنوبيون عبروا عن أحقيتهم التاريخية بسقطرى لكونها كانت جزء أصيل من حضرموت والمهرة، ويحق لأبنائها إدارة شؤونهم بأنفسهم بعيداً عن أي إملاءات أو تدخلات وهم يعنون بذلك الحكومة اليمنية، نظراً لمطالبات البعض منهم بـ “الاستقلال” عن شمال اليمن، بصورة أشمل يعتقدون أن من حقهم التعامل مع الوجود الإماراتي بالطريقة التي يرون أن فيها مصلحة لهم، والشماليون نظروا للأمر من زاوية أخرى تقضي بيمنية سقطرى، بعد دخول اليمنَين الشمالي والجنوبي في وحدة عام 90، ويحق لهم من منظور وحدوي الرفض والاعتراض على أي تدخل يخرج عن سياق العمل المدني المشترك. أما سياسياً، أثار هذا الأمر قلق المسؤولين اليمنيين لأن التصور العام عن عجز الحكومة عن توفير الخدمات الكافية لسكان الجزيرة وعدم تواجدها الدائم، يمكن له أن يقوّض تحركاتها ونفوذها مقابل الوجود الإماراتي الذي ترغب أبوظبي أن تشرف فيه على المساعدات والخدمات التي تقدمها بنفسها في عموم الأرخبيل بمساندة من المجلس الانتقالي الجنوبي. أما على جانب سياسي آخر، كان المجلس الانتقالي مرحباً في بيان صدر عنه، بالدور التنموي الذي يقوم به التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في المحافظات المحررة، بما يدعم تثبيت الأمن والاستقرار ودعم المشاريع الاقتصادية والإنسانية[30].
خاتمة: ماذا بعد سقطرى؟
يمكن القول أن أحداث سقطرى الأخيرة مثلت رداً على من يجادل بأن هذا الأرخبيل وإن كان منسياً، و أداء الحكومة اليمنية فيه متهاون وغير فاعل، إلا أنه لا يخرج عن إطار كونه يتبع هذه البقعة من جنوب اليمن وإن عُزل عن يابستها بإرادة كونية تفوق كل احتمالات النفوذ والهيمنة البحرية. فأبناء سقطرى كجزء من جنوب اليمن، كانوا يطمحون لأن تتعاطى الحكومة مع مطالباتهم بتوفير احتياجاتهم الأساسية والمساواة بينهم وبين بقية أبناء المحافظات الأخرى بعد الوحدة اليمنية من حيث تقديم الخدمات والتنمية والإعمار، دون وضع أي اعتبارات تعجيزية تتعلق بالجغرافيا البعيدة، بيد أنها ظلت متخاذلة في نظر المجتمع المحلي السقطري، ولا فرق بينها وباقي الحكومات السابقة.
هذا الوضع المتهاون، شكل صعود قوة “المجلس الانتقالي الجنوبي” ووضعها في تحدي وجودي أمام سكان سقطرى، فيما إذا كانت ستنجح باتباع نهج جديد يمكن من خلاله أن تؤمّن الجزيرة من أي تدخلات خارجية وتحميها، وتنفذ برامج ومشاريع ذات أولوية تخدم سقطرى وباقي المحافظات الجنوبية التي أعلنت عن إداراتها الذاتية لها أواخر إبريل الماضي. وبالتأكيد لا يمنع من وجهة نظرها أن يكون ذلك بمساعدات دولية وإقليمية متسقة، لا تخرج عن سياق الشراكة والصلاحيات المتفق عليها في إطار الدعم وإعادة الإعمار وتنمية المدن المتضررة من الحرب، أو المهملة لظروف مغايرة كسقطرى والمهرة.
واستناداً إلى هذه الخلفية، يمكن تقديم مجموعة من التوصيات المهمة التي يمكن للمجلس الانتقالي الجنوبي النظر عبرها:
- إعادة بناء وشائج الثقة وتقوية العلاقة بين سلطة المجلس والمجتمع المحلي في أرخبيل سقطرى، وتدعيم مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية، ما يعزز من مشاعر الهوية الوطنية والانتماء للجنوب، وهو أمر مهم للحفاظ على التماسك المجتمعي وسلامته في ظل ظروف عدم الاستقرار التي تمر بها البلاد.
يمكن التعاون والتنسيق المشترك بين المجلس الانتقالي ودول التحالف العربي عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، بما يؤمّن الأرخبيل وسكانه ويحمي عمقه الاستراتيجي الواقع في أهم ممرين مائيين (خليج عدن والبحر الأحمر). والتركيز في الوقت الراهن على الخطر الإيراني وأداته الداخلية في اليمن ممثلة بالحوثيين، وكذا الخطر التركي وأداته الممثلة بالإخوان المسلمين عبر “حزب الإصلاح اليمني” في المناطق التي يسيطر عليها.
استبعاد أي قوى سياسية تتبنى نهج يقوم على العنف والإرهاب، وهو ما قد يؤدي إلى صراعات خطرة داخل المجتمع المحلي في سقطرى، يمكن أن تؤثر سلباً على أمن اليمن بشماله وجنوبه والمنطقة العربية والملاحة فيها.
إعادة بناء وشائج الثقة وتقوية العلاقة بين سلطة المجلس والمجتمع المحلي في أرخبيل سقطرى، وتدعيم مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية، ما يعزز من مشاعر الهوية الوطنية والانتماء للجنوب
العمل على تحقيق التنمية الشاملة في الجزيرة والبدء في تطبيق حزمة إصلاحات تخدم السكان، وتساعد على الاستثمار في قطاعات السكن والمدارس والمستشفيات وخدمات النقل والمياه وتطوير البنية التحتية، دون الاقتراب من ثروات الجزيرة أو مواردها الطبيعية. كما يمكن تسليم كافة المهام الإدارية لأبناء المحافظة أنفسهم تحت إشراف أهل الاختصاص والخبرة.
تتضاعف مسؤولية المجلس الانتقالي تجاه ما قد تتعرض له سقطرى من أعاصير، لهذا يجب أن تبدأ بتفعيل خطط للطوارئ لمواجهة أي تأثيرات محتملة لأعاصير قد تضرب الأرخبيل مستقبلاً، وذلك لحماية السكان من المخاطر التي قد تسببها الأعاصير عبر تفادي الخسائر والأضرار.
من المهم توعية السكان وتأهيلهم وتدريبهم ودراسة احتياجاتهم المادية، بالإضافة لتوعيتهم عن خطر ظواهر الإرهاب والتطرف والقرصنة والتهريب والاتجار بالبشر في منطقة القرن الأفريقي، للقدرة على مواجهتها وتلافيها.
دعوة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى إعطاء قضية أمن المنطقة العربية واستقرارها السياسي والعسكري في (المحيط الهندي وبحر العرب) أولوية خاصة، من خلال العمل على إعداد دراسات شاملة وإقامة حوارات وندوات حول القضية، من منطلق الأهمية التي تكمن في موقع جزر الأرخبيل الجيواستراتيجي، والذي يمكن من خلاله حماية اليمن شماله وجنوبه ودول الإقليم والعالم.
وإذا ما مضينا قدماً، يمكن من خلال تطبيق هذه التوصيات أن يحصل “المجلس الانتقالي الجنوبي” على ثقة المجتمع المحلي في سقطرى، وأن تخفف الضغوط الاجتماعية التي تنشأ عادةً على النقص المستمر في الخدمات الأساسية. كما يمكن من خلال إيلاء أهمية للدراسات الشاملة في قضية تأمين المنطقة العربية من أي محاولات نفوذ وتوسع إيراني تركي وتطرف وإرهاب وقرصنة في منطقة القرن الأفريقي، يمكن من شأنه تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتوفير الحماية الكافية للممرات الملاحية الدولية.
فريدة أحمد، صحافية وباحثة في الشؤون السياسية
- هذه الدراسة البحثية يقدّمها مركز سوث24 للأخبار والدراسات
عن: سوث24