معركة مع الضفادع والبعوض
علي الحجوري
يدرك اليمنيون الأحرار أن معركتنا مع الإمامة ليست معركة عسكرية أو سياسية فقط، لأن الإمامة فكرة قبل أن تكون تنظيماً أو دولة. والفكرة الخطرة لا تقاوم بالرصاص بل بنقضها وكشف حقيقتها وتناقضاتها مع الحق.
أما إذا كانت الفكرة الخطرة تستمد وجودها من بنية التراث الفكري نفسه فقد أصبح واجباً إخضاع هذا التراث نفسه للمساءلة والمحاكمة، وهذا من بدهيات العقول. فما بالك إذا كان هذا التراث قد أصبح مرجعاً لكل الانحرافات المنتسبة إلى الدين؟!.
لقد أصبح تراثنا الإسلامي مثل بركة آسنة يفقس فيها البعوض والضفادع، وكانت النتيجة أن أصيب العقل الإسلامي بالملاريا.
وطغى فيه نقيق الضفادع على تغريد العصافير. ولا أحد يستطيع أن ينكر مسئولية هذا التراث المحرف المدغول عما نحن فيه من هزيمة حضارية وسياسية واجتماعية. إلا إذا كان جاهلا لا يعرف تأثير الفكر على العقل وتأثير العقل على الواقع. إن هذا الواقع الشاذ المنحرف الذي يعيشه العرب والمسلمون اليوم هو الشاهد الأكبر على انحراف فكرهم وتراثهم الذي يوجه أفعالهم وسلوكهم النفسي وغير النفسي. فهل في ذلك شك؟ وهل يظل هذا التراث يحكمنا إلى ما لا نهاية؟. أم الواجب أن نبحث عن حل لهذه المشكلة؟.
بعض الأخوة المنتسبين إلى التيار المتدين يدركون جيداً أن تراثهم الديني مثل كيس جامع الجراد في الليل. فالذي يجمع الجراد في ظلمة الليل يدخل يده في شقوق الجدران للبحث عن الجراد المكتنز فيها، فتخرج قبضته بخمس جرادات وسحلية. وقد رأيت هذا بنفسي في ثمانينيات القرن الماضي. عندما أفرغ صديقي كيس الجراد في قدر كبير لطباخته كانت هناك عدد من السحالي تسبح في الماء. إن وجود السحالي في كيس الجراد هو دليل كاف على أن عملية الجمع تمت في الظلام. وهذا ما لا يريد هؤلاء الأخوة الاعتراف به. ويصرون على أن عملية جمع الجراد تمت في وضح النهار!. وهذه مغالطة كبيرة للعقل ستجني على الأمة في نهاية المطاف.
هناك بركة آسنة تسمى التراث الإسلامي، أصبحت بيئة جاذبة للبعوض والضفادع، وهناك عقل إسلامي يعاني من الملاريا، فما الحل لمواجهة هذه المشكلة. إذا طرحت هذا السؤال على الضفادع نفسها (أبو المقداد، وأبو المنخاد) فلن تسمع إلا نقيقاً مزعجاً لا علم فيه ولا حلم. وبعض أعيان القرية المستفيدين من وجود البركة الآسنة سيقول لك: دعونا نحارب البعوض بملاحقة كل بعوضة على حدة، باستخدام نفس الأدوات التي تركها لنا السلف الصالح، وهي عبارة عن منشة كانت يوماً ما ذيلا لثور. أما إذا طرحت هذا السؤال على خبراء القرية فسيقولون لك بلغة حاسمة: ينبغي هدم البركة فوراً البحث عن ماء جار لا يفقس فيه البعوض!.
هذه هي معركتنا من سنوات مع أصحاب البركة الآسنة التي تسمى تراث المذاهب الإسلامية. وهي المعركة التي تتجدد كل يوم بصور مختلفة. وخصومنا في هذه المعركة ليسوا على مستوى واحد من الأخلاق والمعرفة، فمنهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات. وعند مواجهة هذا الحشد من الخصوم لا نفكر في الأفراد والأعيان، بل في مواجهة الأفكار ذاتها. ومعركتنا مع هذا التراث هي أيضا ذات مستويات، أقلها طرح الأسئلة عليه، والإشارة إلى نقاط التناقض الفجة فيه. سواء أكان تناقضا مع العقل أو مع القرآن أو مع العلم وطبائع الأمور. والذي يطلب منا أن نترك هذه الأمور للمعممين وأهل الاختصاص نقول له: هذا دين وليس هندسة أو طب. الدين اختصاص الجميع، كل بقدر سعته، نزولا عند قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.. فلا تكليف في الدين إلا بقدر وسع المكلف في الفهم والعمل. وهذا ما فهمه ابن حزم نفسه وجعله يقول إن الاجتهاد واجب على كل مسلم حتى الراعي في شعف الجبال. والاجتهاد يعني بذل الوسع في الفهم.
فهل بذل هؤلاء السادة جهداً في فهم تراثهم ومراجعته يوازي الجهد الذي يبذلونه في مقاومة الحركة النقدية للتراث؟!.
صدقوني لو أن كل هائج منهم طرح على نفسه وعقله الأسئلة التي يطرحها علينا لخجل من نفسه وسكت.
أخيراً أطرح على الجميع هذا السؤال وأذهب لاستراحة قصيرة:
ترى من دون التراث الديني المذهبي هل كنا سنسمع عن الشيعة والتشيع؟ وهل كنا سنعيش هذه المأساة التي نعيشها من ألف عام؟!.