المهاجرون الأفارقة في اليمن.. ضحايا الأحكام المسبقة
عبير واكد – حضرموت
لأعـوام، ما زال فيها المهاجرين الأفارقة يعيشون أوضاعًا صعبة منذ حرب اليمن جعلتهم أكثر عرضة للاستغلال الإنساني، وسط تجاهل وسائل الإعلام اليمنية التي ركزت جهودها في السنوات الأخيرة على الحرب الأهلية، الأمر الذي أدى لنشر بعض الشائعات والمعلومات المغلوطة المتعلقة بالأفارقة -وهم مواطني وسكان أفريقيا والمنحدرين من أصل أفريقي.
بوابة الخليج
تمثل اليمن بوابة الدخول إلى دول الخليج للمسافة القريبة بينها وبين حدود المملكة العربية السعودية، ما يدفع المهاجرين الأفارقة للسفر إلى اليمن التي من خلالها يعبرون للسعودية ومن هناك حتى أوروبا.
يقول المهاجر الأفريقي حسـن محمد ذو الإحدى وعشرون عامًا -تمت الاستعانة بمترجم- بأنه مستقر في حضرموت منذ عامًا وشهر، موضحًا بأن سبب هجرته إلى اليمن هي للدخول تهريبًا إلى السعودية، حيث لم يتمكن من ذلك لتصعب الأمور عليه من الناحية المادية, مبينًا بأن تكاليف التهريب مكلفة، في ظل الحروب الحالية التي جعلت من الطريق طويلة ومخيفة.
وعلق حسن الذي يسكن في منطقة جول الشفاء بساحل حضرموت بأنه تلقى وعودًا بالتهريب للسعودية فور وصوله اليمن، لينكثوا بوعودهم له بعد ذلك.
يعمل حسن في الوقت الحالي، كعمالة في غسيل السيارات بمدينة المكلا.
الاعتِراف الدولي
تعترف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقادمين من الصومال فحسب كلاجئين في اليمن، وتمنحهم البطاقة الخضراء بسبب الحرب الأهلية الصومالية التي لا تزال قائمة حتى الآن، وتفيد هذه البطاقة الخضراء بأن حاملها لاجئ -مهدد وحياته بخطر بفعل الحرب-، بينما تقدم لدول القرن الأفريقي المتبقية ورقة تفيد بأن حاملها طالب لجوء -غير مهدد يبحث عن فرص عمل أو يعاني من عنصرية- وهؤلاء هم المهاجرين في اليمن.
ويقيم في محافظة حضرموت 1300 أُسرة لاجئة من الأفارقة، بحسب الإحصائيات الأخيرة التي قامت بها المفوضية بالتنسيق مع دار البر المختصة بشؤون اللاجئين في حضرموت والتي يرأسها الأستاذ عبد الله الشريف- حيث اتصلنا بهم هاتفيا- وتقدم مساعدات موسمية للاجئين من خلال توفير سلل غذائية، حقائب مدرسية، مياه شرب ومناطق عزل ناهيك عن ما تمنحهم المفوضية من دعم مادي عبر برامجها المتنوعة.
ليتبقى بذلك المهاجرين -الأشد حاجة- والذين تستقطبهم منظمة الهجرة الدولية IOM بمساعدات بسيطة للغاية، بحسب متطوعي البرامج الإنسانية والإغاثية في اليمن.
قوات خفـر السواحل بحضرموت
يتم ربط حوادث القرصنة وتجارة السلاح بالأفارقة فحسب, بعد أن زادت الهجمات في خليج عدن والمحيط الهندي في عام 2008 وبحلول 2011 كانت العصابات الصومالية تحتجز أكثر من 700 رهينة و30 سفينة وطالبت بفدى بملايين الدولارات بحسب وكالة رويترز.
وذكرت البي بي سي بأن هنالك تقارير تفيد إن القراصنة الصوماليين يحصلون على معظم أسلحتهم من اليمن، وأن عددًا كبيرًا من قطع السلاح يتم شراؤها من العاصمة الصومالية مقديشو، فيما وصفت بأن القرصنة في خليج عدن هي طريق سريع لثروتهم.
وهو ما يعد أمرًا مثيرًا للذعر وسط المجتمع اليمني، وعلى إثـره يحكم على المهاجرين القادمين من دول القرن الأفريقي بأحكام مسبقة ما يبقيهم في وضع إنساني حرج لغياب ابسط المساعدات الإنسانية المجتمعية, خوفًا منهم.
حيث يقول المقدم عوض الصاعي قائد قوات خفر السواحل بحضرموت والتي تمتد من رأس كلب غربًا وحتى حضاتهم شرقًا، بأن القرصنة قد انتهت فلم نعد نشهد عمليات مشابهة على سواحل حضرموت منذ سبع سنوات فأكثر، موضحًا بأن أعداد المهاجرين الأفارقة الذين يصلون عبر الساحل الحضرمي باتت قليلة مقارنة بالسابق، ناهيك عن عدم حيازتهم لشيء فور وصولهم اليابسة في وضع إنساني صعب، مبينًا بأنهم بعد ذلك يذهبون عبر البحر على دفعات ليستقروا في عدن وأبيـن.
غير ناطقين للعربية
يتعرض المهاجرين الأفارقة للاستغلال من قبل المهربين فور وصولهم اليمن، كونهم غير ناطقين للغة العربية الأمر الذي يعرض حياتهم للخطر, بحسب شهادة إبراهيم إسلام -اسم مستعار- الذي سبق له العمل في إغاثة المهاجرين الأفارقة بمحافظة حضرموت, والذي أفاد بأن المهربين هم يمنييـن مُسلحيـن ويقتادون المهاجرين الأفارقة بحضرموت تحت تهديد السلاح إلى مناطق عـزل في محافظة شبوة، بغرض التربح المادي منهم.
ضحايا أحكام مسبقة
يقطع المهاجرين الأفارقة طريقًا طويلة من منطقة ميفع حجر في حضرموت وصولًا لمحافظة عدن مشيًا على الأقدام، لتخوف سائقي المركبات منهم، إضافة للنقاط العسكرية المنتشرة على طريق حضرموت عدن التي تنزلهم من المركبات أثناء تفتيشها، وذلك بسبب ما يُنشر عن الأفارقة بصورة عامة وربط اسمهم بعالم الجرائم من قتل، سرقة، اغتصاب وتجارة المخدرات وحيازة السلاح, ما يعرض المهاجرين الأفارقة القادمين نحو اليمن إلى الأحكام المسبقة التي تتشكل بناءً على آراء ومواقف جاهزة لتفسير حدث ما أو تقييم أشخاص أو ظاهرة, ويعكس الحكم المسبق في العادة تفسير سطحي أو أولي لا يستدعي من الجهة التي تطلقه التفكير والبحث العلمي وراء الحقيقة, هذا ما يعرض المهاجرين الأفارقة لدفع ثمن تلك الأحكام السابقة, الأمر الذي يتعارض مع حقوق الإنسان في الاضطهاد بالمعاملة بناءً على الأصل العرقي.
وذلك بسبب انتشار ظاهرة انخراط الأفارقة في ترويج بيع الخمور وتعاطي الحبوب المهدئة بساحل حضرموت، حيث يتم إحالتهم عند ضبطهم للتحقيق والتعامل معهم وفق القانون اليمني بحسب إدارة مكافحة المخدرات بساحل حضرموت.
ويقول المقدم عبد الله لحمدي مدير المكافحة بأنه تصلنا معلومات حول تواجد بعض الأفارقة، في بعض الجولات والأماكن بحضرموت، لبيع الخمور وتعاطي المخدرات مبينًا بأن الغاية الأساسية من الانخراط في هذه الأعمال المنافية للقانون هو الكسب المادي، موضحًا بأنه يتم إعطاء فرصة بالإفراج للمتعاطين فحسب -غير المتاجرين- في حال ضبطهم أول مرة.
بينما تقول نور سريب وهي صحفية من عدن ورئيس تحرير موقع الوطن توداي الإخباري، أن استمرار تدفق المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي إلى اليمن عبر المنافذ البحرية, دون وجود مأوى أو رعاية صحية، مبينة أن البعض منهم يفترش الشارع الأمر الذي أدى لظهور المشاكل, حيث أفادت بأن بعض المهاجرين قد ارتكب عمليات سرقة، موضحة آخر قضية والتي تعد الأكثـر شهرة في محافظة عدن, وهي محاولة أحد المهاجرين الأفارقة بالاعتداء على أسرة مكونة من امـرأتين, وذلك بضرب الأم ومحاولة اغتصاب الفتاة الشابة, حيث لا تزال القضية في أمن محافظة عدن والمهاجر الأفريقي موقـوف في شرطة البساتين بالمحافظة, مضيفة بأن أعداد المهاجرات الأفريقيات أقل مقارنة بأعداد الرجال منهم .
وعلقت سـريب، بأن ظهور الجرائم بسبب فشل المنظمات الدولية وتنصلها عن القيام بواجبها من خلال توفير مخيم مجهـز للمهاجرين الأفارقة بكافة الأساسيات اللازمة للحياة، في مناطق عـزل تفاديًا لوقوع الجرائم والانتهاكات، لكون الأسباب متوفرة والإهمال ما زال كبير, والسلطات المحلية لا تمتلك إمكانيات للتعامل مع ملف قضية المهاجرين الأفارقة كما ينبغي.
صناعة السينما
إن توثيق القصص الحقيقية من خلال صناعة السينما قد لا يفقهه بعض المشاهدين بأنه يمثل حالة فردية ولا يعم الكل، تمامًا مثلما حدث في فلم “القبطان فيليـبس” والذي صدر في 2013 مقتبسًا عن قصة واقعية، والتي تروي أحداث اختطاف السفينة الأمريكية “ميرسك ألاباما” وأخذ طاقمها كـرهائن من قبل قراصنة صوماليين بهدف الحصول على فدية.
حيث جسد شخصية عبد الولي موسى مختطف السفينة والذي حكم عليه لاحقًا بالسجن مدة 33عام، الشاب الصومالي بركات عبدي (برخاذ عبدي)، الذي غادر الصومال إلى اليمن وهو في السابعة من عمره برفقة عائلته هربًا من أعمال العنف، كما ذكرت الفرنسية.
إن اختيار “عبدي” لتجسيد الدور، قد ربط اليمن بمحركات البحث بالمهاجـرين الأفارقة والقرصنة، حتى في عالم صناعة السينما الذي له تأثـير كبير بين أوساط ملايـين المشاهدين من مختلف دول العالم وقد يساهم في تعـزيـز الأحكام المسبقة عن المهاجرين الأفارقة باليمن، خاصة بعد ترشح “عبدي” في هذا الدور لجائزة الأوسكار عـن أفضل ممثل مساعـد.
وعلى الصعيد الشخصي – كاتب التقريـر- ما قام به “عبدي” لأمـر ملهم, وتعد قصة نجاح.
الصراع الأثيوبي
تصاعد الأحداث الأخيرة في إثيوبيا ودخولها في حالة حرب أهلية وفقا لبي بي سي، قد يدفع المزيد من المهاجرين للقدوم إلى اليمن التي تطالها أزمة إنسانية كبيرة في ظل الدور الغير واضح الذي تقوده المنظمات الإغاثية فيها، والذي يندد باندلاع وتفاقم الكثير من الأزمات الإنسانية في الفترات المقبلة.
قضية يحيطها اللبس
إن المهاجرين الأفارقة يتعـرضون للأحكام المسبقة نتيجة لما يصدر عن بعض اللاجئين الأفارقة من أخطاء، يحاسبوا عليها أسوة بالمواطنين اليمنيين، وهُنا يكمن اللبس في التفـريق بين اللاجئ وهـو الشخص المقيم وبين المهاجر الغـير مقيم.
*تنشر هذه المادة بالتزامن مع منصة إعلام من أجل المهاجرين