اتهامات باطلة للمهاجرين الأفارقة في اليمن
عدن – جمال محسن
في بلد تؤرقه الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ويعش اسوأ أزمة انسانية في العالم، لا تقف المعاناة عند انهاك المواطنين فحسب، بل ألقت بضلالها على المهاجرين الافارقة الذين يعانون مشاق الحياة وتبعات الهجرة والتنقل في أجواء مليئة بالحروب والأزمات والأوبئة، تبدأ من مواطنهم وصولًا الى وجهتهم المحتملة في مخيمات اللجوء وإلى العراء في أغلب الأحيان.
يتخلل طريق المهاجرين مخاطر جمة تبدأ بركوب أمواج البحار وتتجدد عند وصولهم السواحل اليمنية حيث تنتظرهم الكثير من الصعاب في الطريق إلى وجهتهم التي يطمحون بلوغها وغالبا تكون – المملكة العربية السعودية – لكن ينتهي بهم المطاف في أماكن أخرى بعضها غير مناسب للعيش.
يعاني المهاجرين الافارقة الكثير من الصعاب منها إزدياد حدة خطاب الكراهية التي تفاقمت في أعقاب جائحة كورونا وتفشي الحميات في ابريل 2020م حيث نشرت عدة تقارير وأخبار بوسائل اعلام محلية تصوّر مخيمات اللاجئين الافارقة كبؤرة لانتشار الحميات الفيروسية دون الاستناد الى أدلة واضحة، لكن هذا الامر الذي نفاه الكثيرين فيما بعد، بات وصمة تلاحق المهاجرين وتضاعف من معاناتهم.
ويقول “سعيد” وهو مهاجر أثيوبي في العقد الثالث من العمر، التقيناه ضمن مجموعة من المهاجرين في أحد أسواق المنصورة بعدن: انهم كان ينوون الذهاب إلى السعودية، لكن أستقر بهم الحال في عدن، دونما يلقون أي من المساعدات المخصصة من المنظمات الدولية والمحلية، حيث وجدوا أنفسهم في العراء يعانون العوز والحاجة، دون تحقيق أي مردود يذكر سوى محافظتهم على البقاء، بعد سنتين من قدومهم إلى عدن.
ويستذكر أهوال الرحلة التي بدأت من أثيوبيا، وصولاً إلى عدن، ومرارة الطريق، شاكيًا الوضع الصعب الذي يعيشوه، مستغربًا عدم وجود أماكن إيواء مخصصة لهم توفر أبسط مقومات الحياة.
ويشير سعيد أنه غالبا ما يتواجد في ذات المكان بانتظار فرصة الحصول على شيء من بقايا الاطعمة التي يتركها مرتادي المطاعم المجاورة، حيث هذه الفرصة هي السبيل الَوحيد الذي من شأنه اشباع جوعهم وسد فاقتهم في ظل ندرة فرص العمل والمضايقات في بعض الأحيان.
وفي هذا السياق أوضحت المحامية الإثيوبية “عرفات جبريل” ان لهجرة الأفارقة “الاورمو” على وجه التحديد سببين أساسيين الأول يعود لسياسة الحكومة الأثيوبية اتجاههم، والآخر يرجع للوضع الاقتصادي، حيث يمنعون من ممارسة حقهم التجاري نظرًا لتحكم جهات أخرى، بسوق العمل وملف الاقتصاد، وهذا أدى لمغادرتهم البلاد قاصدين دول أخرى منها اليمن بحثا عن الأمن والأمان والاستقرار وتحسين معيشتهم وأوضاعهم الاقتصادية.
وتضيف “عرفات” وهي محامية ورئيسة منظمة الاورمو لحقوق الانسان: ان المحطات الأولى للمهاجرين تكون جيبوتي أو الصومال واذا كانت هناك اشارات حقيقية عن نقلهم للامراض فالحميات الذي انتشرت في اليمن لم تظهر في اماكن مرور المهاجرين في الدول الأخرى، ولم يشتكي أحد بهذا الخصوص، وهذا يدحض ادعاءات نقل المهاجرين للحميات الفيروسية وتسببهم بانتشارها.
وأشارت إلى ان خطاب الكراهية والاتهامات أثرت على المهاجرين بشكل سلبي وزادت من حدة معاداتهم باعتبارهم، ناقلين للأمراض المعدية، وبعد قيام مفوضية شؤون اللاجئين بفحص المهاجرين ولم تجد فيهم هذه الامراض بدأ يتراجع مستوى خطاب الكراهية وحالياً لا توجد اتهامات صريحة موجهة لهم ولم تصل الينا شكاوى بهذا الخصوص.
وبحسب عرفات فأن المنظمات التي تتعامل مع المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء لم يصدر عنها أرقام كبيرة بخصوص اصابتهم بالامراض المنتشرة بحكم وقوعهم في أماكن مكتضة وتجمعات كبيرة بل أوضحت التقارير خلوهم من الاعراض وهو ما ادى لتقبل المهاجرين بشكل أكبر بمرور الوقت.
وكانتا منظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية للهجرة أعربا عن قلقهما بسبب التمييز ضد المهاجرين في اليمن بخصوص كوفيد – 19 داعين السلطات الوطنية والمواطنين الى استمرار قبولهم الكريم والمعروف عبر سنوات للمجتمعات المعرضة للخطر ودعمها بما في ذلك مجتمع المهاجرين.
وأوضح المحامي جمال محمد الجعبي انه في ظل الازمات والحروب تتزايد حدة الاتهامات الموجهة للمهاجرين او اللاجئين وطالبي اللجوء اتهامات فيما يتعلق بجلبهم للأمراض وتجنيدهم لصالح أعمال عنف ومشاركة في الحروب، وهذا في الغالب غير حقيقي، فالمهاجرين يبحثوا عن لقمة عيش، ويغادرون بلدانهم لدوع أوضاع اقتصادية سيئة مشيرًا الى انهم يخضعون لممارسة أعمال يكون بعضها شاقة مقابل مبلغ مالي زهيد ذلك فقط لاجل العيش الكريم.
ويشير الجعبي وهو رئيس مركز حماية لحقوق الانسان، إلى ان اتهامات المهاجرين بنقل الامراض غير صحيحة، فالأمراض الموجودة في المناطق الساحلية والمناطق الاستوائية هي متشابهة سواءً في اليمن أو القرن الافريقي وبالتالي الاتهامات غير دقيقة، مؤكدا انه دائما يسمع عن هذه الاتهامات خلال عمله في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لكن بالحقيقية لم يثبت شيء منها.
ونوه الى مغبة استسهال اتهام المهاجرين من خلال استخدامهم من قبل الأطراف المتصارعة في اتهامات لأطراف أخرى بتجنيد المهاجرين واستخدامهم في الصراع وهذا يأتي ضمن الحرب الاعلامية بين أطراف النزاع غير مكترثين بالتأثيرات التي تخلفها هذه الاتهامات لمهاجرين يعيشون أوضاعًا انسانية صعبة وظروف مأساوية في بلدانهم وبلدان هجرتهم.
وترى الصحفية والناشطة الحقوقية “نور سريب” أن ما يجب الانتباه له هو وضع المهاجرين اليوم في بلد تشهد حربا وأوضاعا صعبة على المواطنين، وهذا جعل المهاجرين الافارقة يعانون بشكل أكبر وهو ما يستوجب لفت الانتباه بشكل جاد.
لافتة إلى أنه من واجب المنظمات الدولية المعنية باللاجئين اقامة مخيمات لجوء للمهاجرين وتوفير الاحتياجات الاساسية، كما يتوجب عليهم مساندة السلطات المحلية في هذا الخصوص، وعدم ترك المهاجرين في الشوارع عرضة لارتكاب الجرائم بحق بعضهم البعض، او بحق المواطنين كما يجب حمايتهم من الاستغلال الذي قد يحدث من قبل اي جهة، خاصة وان أعداد كبيرة منهم رجال وشباب.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، أعلنت الخميس 7 أكتوبر 2021م وصول 2769 مهاجر إفريقي إلى اليمن، خلال سبتمبر/أيلول المنصرم.
وأوردت المنظمة في تقرير، أنه “في سبتمبر 2021، قدرت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، أن 2769 مهاجرا دخلوا اليمن، مقارنة بـ 1756 في أغسطس (آب)”.
وأردفت: “عدد المهاجرين من إثيوبيا، مثّل81 بالمئة من هؤلاء الواصلين إلى اليمن، فيما 19 بالمئة صوماليين”.
ويعد اليمن، وجهة لمهاجرين من دول القرن الإفريقي، لا سيما إثيوبيا والصومال، حيث يهدف العديد منهم للانتقال في رحلتهم الصعبة إلى دول الخليج، خصوصا السعودية.
ويشهد اليمن حربا مستمرة منذ نحو 7 سنوات، أودت بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
تنشر هذه المادة بالتزامن مع منصة إعلام من أجل المهاجرين