حينما لا تتمترس فئوياً أو حزبياً أو مناطقياً، يصبح أمرك عجيباً ومحيّراً.
بعد نشري البارحة قصيدة رثاء للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في ذكرى رحيله، تساءل البعض: كيف تنصف صالح وتثني على الأحمر، ومتصالح مع الشرعية والانتقالي، والمؤتمر والإصلاح، ومارب والساحل؟!
والجواب بسيط جداً: لأنهم يمنيون.
لا أحد منهم مخطئ تماماً، ولا الآخر بريء تماما.. متنافسون ومتخندقون ومتباغضون وتعساء لكنهم ليسوا عدو اليمن، إذ عدو اليمن واضح منذ ألف ومئتي سنة، أما هؤلاء فهم تشكلات لشعب لم يتعلم بعد كيف يأتلف ولا كيف يختلف.
دعوني أخبركم بشيء:
قبل نحو ثلاثة أشهر شاهدت فيلماً عن جنكير خان الرجل الذي وحد المغول وغزا بهم نصف الأرض.
نشأ جنكيز في بيئة متناحرة تشبه بيئتنا الحالية الى حد ما.. المغول شعب على هامش الحضارة، قبائل متناحرة متباغضة مدمّاة بالثارات والأحقاد، موتورون لا يطيقون بعضهم، ولا ينقادون لكبير أو صغير. لم يكونوا جاهزين لأي شيء سوى الاقتتال والتآكل.
أن تتمكن من جمع هؤلاء وحشدهم باتجاه هدف موحد (أياً كان نوعه) فهذا ضرب من المستحيل، لكن الشاب جنكيز خان فعلها.. فكيف تسنى له ذلك؟
للإجابة عن هذا التساؤل الكبير أعددت مشروع كتيب أسميته (خطة أسعد الكامل)، عله ذات يوم يكون بين يدي قائد ملهم يحب هذا الشعب ويغار عليه. وأقول (الشعب) إذ لا فائدة من أن تحب اليمن وتتأفف من الشعب. أن تحب اليمن معناه أن تحب هذا الشعب الحاصل الناصل.
أسميتها (خطة أسعد الكامل) إذ لا حاجة لنا كيمنيين لاستعارة نماذج من الخارج سواء جنكيز أو غيره، ولا نريد أن نغزو أحداً.. ومعلوم أن أسعد الكامل هو أحد القادة اليمنيين الاستثنائيين في طول التاريخ وعرضه.
لقد استطاع التُّبّع أسعد جمع هذا الشعب المُشعِّب والمتشعب في وحدة نفسية ومشروع جامع، وصعد بهم ومعهم سلالم العزة والمجد.
تقوم فكرة الخطة على أن هذا الوضع التناحري في يمن اليوم ليس عائقاً أمام النهوض بل هو حافز وتحدٍّ حقيقي لكينونتنا خصوصاً مع وجودٍ صارخٍ للتهديد الكهنوتي القادم من خارج الخارطة الوجدانية والجينية للشعب، والمدسوس في أعطافه كالبلهارسيا.
أرجو أن تصبروا عليّ للأخير حتى أوضح الفكرة، وأقول باختصار شديد:
هناك من يحذر من أن اليمن يمكن أن يصبح ثلاثة أو أربعة أو حتى سبعة يمنات، وأقول لا.. اليمن بدون مشروع يمكن أن يصبح ٣٠ مليون يمن، أي على عدد سكانه.. إذ مع لوثة التناحر يصبح كل فرد من الشعب شعباً لوحده، والأمر ينطبق على أي شعب.. فبمقدور الصينيين أو الهنود أن يكابروا على بعضهم ويتباغضوا ويصبح الشعب منهم عشرين الف شعب، لكنهم اليوم أمة واحدة رغم أنهم بالمليارات. فلماذا لا نكون مثلهم؟ هل نحن بدعٌ بين الأمم.. لماذا كلما صفت غيّمت من جديد؟
والجواب باعتقادي كامن في شقين:
– عدو مخادع مقيم (الفكر السلالي العنصري).
– ونخب تعيسة لا تعشق معالي الأمور ولا تغار على شعبها ولا تجسد أشواقه ومخاوفه.
سوف أقفز إلى الخلاصة لأقول:
نعم أنا قريب بل محب لكل فئات المجتمع السياسية والقبلية.. أحب الحجرية وصبر، الضالع وأبين، حاشد وبكيل، السلال والإرياني، فيصل عبداللطيف وسالم ربيع، الناصري والاشتراكي والسلفي، المكلا والغيضة، القضاة والمشايخ والفلاحين والصيادين، الجبالية والتهائم، الأقيال الأحرار والقبائل المغرر بها لدى الحوثي، اليسار واليمين، صالح والأحمر وهادي ومعين ولملس.
هؤلاء هم تيارات الشعب المتوفرة يا رفاق.. وكلما انتظرنا أن يزيلهم الله ويأتي بقوم خير منهم زاد التشرذم وازداد الحل صعوبة.. إذن ما الحل الآن؟
الحل في خطوته الأولى يتمثل في أرباب الوعي وحمَلة الفكر ورهبان الوجدان وحراس الهوية..
الحل يبدأ منكم أنتم يا من تعيبون عليّ هذه المخضرية..
فكروا كقادة لا كأطراف، فكروا بالأحفاد لا بالأحقاد، فكروا كأطباء لا كمرضى.
تصرفوا كمنقذين لا كضحايا، كفرسان لا كأسرى، كيمنيين لا أكثر ولا أقل. يمنيين لديهم يمن عزيز داهمه العدو على حين غفلة.
وحين تنطلقون من هذا الإحساس وهذا التصور، ستكتشفون بعضكم من جديد. سيسكن الجميع في قلوبكم، وسيصبح الجميعُ لكم حينما تصبحون للجميع..
حينها، وحينها فقط، سيكون كلُّ واحد منكم هو المقصود بقول البردوني:
لأنكََ الكلُّ فرداً
كيفيةٌ لا تُكيّف